بقلم : يونس التايب (*)
منذ يوم الخميس، السابق على يوم الجمعة الثامن من مارس، و الناس يبادرون، في حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى تقاسم الورود الافتراضية و توزيع تعابير المودة و التقدير و المحبة للمرأة في عيدها الأممي.
وإذا كانت تلك الحالة تستحق التنويه، فإن الأمل يبقى قائما في أن يخرج “كل ذلك الحنان” من فضاء الشبكات الإجتماعية، و يتمدد في واقعنا الحقيقي، لتشيع بيننا المودة و الخير والعطاء. لكنني أخشى أن ذلك الأمر لن يحدث هذه السنة، كما لم يحدث في السنة الماضية، و لا في السنوات التي قبلها، للأسف.
شخصيا، كنت سأكتفي بنشر تدوينة على صفحتي، أضمنها صور ورد جميل، و كلمات ثناء و محبة و ود، أرسلها لمن سيطلعون على ما أكتب. ولكن، استوقفتني، مرة أخرى، أسئلة الواقع، و وجدت نفسي أفكر في جدوى الاحتفال و في دلالاته، و في الأفق الذي يجب أن نسعى إليه و نحن نقف، يوما واحدا في السنة، لنحتفل بالمرأة. ولأنني مغربي، قلت، في نفسي ولها : ماذا يعني أن نحتفل بالمرأة المغربية في يومها العالمي؟ ثم عن أي امرأة نتحدث و هل نعرف حقيقة ما يميزها و هل نعي ما يتشكل منه واقعها ؟ هل فتحنا، يوما ما، نقاشا هادئا نستمع للمرأة “بلا ما نفهمو و نطنزو عليها…”؟ هل أعددنا لها يوما الظروف لتشرح و تبسط لنا كل الإضافات التي ترغب في أن يحملها ما بعد الاحتفال؟ هل نحن متأكدون أنها تشعر فعلا بهذا “الاحتفال” الذي نعتقد أننا نخلده لها هذا اليوم أم أننا ندنن و كل منا يغني على ليلاه ولها؟ هل نحن متأكدون بأننا نحتفل عن قناعة و وعي حقيقي بالتزاماتنا تجاه المرأة المغربية ؟ أم أننا نحتفل، في يوم واحد، تلطيفا لوخز ضمير جماعي غائب، و مغيب للمرأة خلال باقي أيام السنة ؟ ماذا تنتظر رفيقاتنا في الإنسانية و في الوطن، من هذا اليوم، و منا نحن، في باقي أيام و أشهر السنة؟ هل ساهمنا، فعلا، في أن تأخذ المرأة المغربية كامل حقوقها الاجتماعية و الثقافية والاقتصادية؟
أليس أهم الأسئلة يبقى مطروحا حول كيف علينا أن نتحول فعليا، كرجال، في علاقتنا مع المرأة، إلى شركاء حقيقيين في الإنسانية و في الوطن، نتقاسم قيم خير و إنسانية صادقة، و نسعى بكل قوة للعيش في إطار تلك القيم الفضلى، بعيدا عن نفاق التمجيد المناسباتي، و عن لؤم النزوع نحو الاستغلال و التوظيف في كل أبعاده، و بعيدا عن خبث تشيىء المرأة و تبضيعها، و بعيدا عن كم الشر و المكر الذي ينبعث تلقائيا لدى البعض، للأسف، لتحقير المرأة وتبخيس أدوارها؟ أليس الأهم، هو مدى قدرتنا أن نعيش إنسانيتنا بكل نزوعاتها، بعيدا عما توسوس به النفس الطماعة من ابتزاز و استغلال غارق في وحل عقد نفسية كارثية، لا تخفيها الخطابات الحماسية و الكلمات المنمقة ؟ليس الغرض أن آتي في هذا المقال، على ذكر أجوبة عن كل تلك الأسئلة. المقام لا يتيح ذلك، و إلا سيلزمنا الإسهاب كثيرا بغرض الإحاطة و استيفاء الموضوع من كل جوانبه القانونية و الاجتماعية و الاقتصادية والثقافية.
و لا شك لدي في أن الأسئلة تحمل في طياتها ما يكفي من بدايات إجابات، و من أفق جاد، سيلتقطه ذكاء القارئ، و سيتفاعل معه بالقدر الذي يستطيع، لتصير الإجابات سلوكات ميدانية تقطع مع ممارسات يجب أن نستحيي من أن البعض منا لا زال غارقا فيها.
فقط أود أن نعي جميعا، و ألا تنسينا فرحة “الاحتفال”، أن واقع المرأة المغربية ليس كله لوحة بيضاء مشرقة، و من يعتقد ذلك، أو يروج له، يوهم نفسه بأشياء غير دقيقة. المرأة المغربية فرد بصيغة الجمع و التعدد و التنوع، ثقافيا و سوسيو مهنيا و مجاليا و فكريا، في مكتسباتها و في معاناتها، في فرحها و في آلامها.
نعم نقط الضوء موجودة، بفضل دفاع المرأة هي نفسها، أولا، عن كرامتها و عن حقوقها، و كذا بفضل تدافع قائم و مستمر بين قوى الخير و العقل و الكرامة، و قوى الشر و التحقير.
و ليس ذلك الصراع خاصية مغربية، و إنما هو واقع تعرفه كل المجتمعات و الثقافات. بل إن ما تكابده المرأة في عدة مناطق من العالم يفوق الوصف، من أثر الظلم الاجتماعي و العنف و الحروب و التحرش، و الممارسات الثقافية المتخلفة، و التضييق الاقتصادي.
و في واقعنا، كاذب من يعتقد أن السعادة والاحساس بالذات، هو شعور تغرق فيه المرأة المغربية. و مخطئ من يظن أن المرأة المغربية تشعر باحترام حقيقي دائم، و تلمس توقيرا و حرصا فعليا على إنسانيتها، في بيتها، و في حيها، و في الشارع العام، و في مقر عملها، و في فضاءات التنظيمات المدنية و السياسية و المهنية التي تنشط فيها. مغالط لنفسه من يظن ذلك. للأسف، لا زالت رفيقتنا في المواطنة و في الإنسانية مضطرة لتناضل كل يوم ألف مرة، و بألف شكل. تناضل و هي تبتسم، و تناضل و هي صامتة أحيانا أخرى. تناضل و هي تخفي دمعتها، باستحياء، أو تناضل و هي تبكي أمام “جلاديها”.
تناضل بالرحيل أحيانا، و تناضل بالبقاء و الصمود أحيانا أخرى. قد تناضل في بيت والديها، مع إخوتها حين يكونون ميالين للخشونة و سوء المعاملة. و قد تناضل مع زوح عنيف و ظالم مستبد، أو بخيل مقتر، أو مستهتر غير مسؤول. و قد تناضل مع بعض زملاء في العمل، رؤساء أو مرؤوسين، لا يقبلون بأن تتميز بذكاءها، كما لا يقبلون بجمالها و بحضورها، و لو بوقار و ستر، إلا إذا أمكن لهم أن يطلعوا على تفاصيل أنوتثها، كأي شيء قابل للاستهلاك. و قد تناضل مع رفاقها و إخوانها في التنظيمات، حين يجدون في أنفسهم صعوبة في أن تمر اجتهاداتها و تتفوق على اجتهاداتهم، أو حين يكثرون “القوالب و الفدلكات” لكي لا تحتل مكانة قيادية على حساب “رجولتهم”. و قد تناضل حين لا تستحسن “ذكورتهم” حضورها، إلا إذا كان ذلك لتزيين منصة أو لأخذ صورة جماعية تنشرها وسائل الإعلام لتبرز معها “قيم الانفتاح و السعي لتشجيع المناصفة”.
للأسف، و رغم أن ما أصفه ليس هو كل المشهد، إلا أن مواقف “النضال” المفروضة على المرأة، لا زالت واقعا جاثما على الصدور، يخترق كل المنظومات الفكرية و الثقافية، و لا يختلف في ذلك أصحاب أقصى اليمين عن أصحاب أقصى اليسار، و لا الفقراء عن الأغنياء، و لا سكان الحواضر عن سكان البوادي، و لا المثقفون عن عوام الأميين. بين ثنايا كل ذلك الخير و الشر، الطيبون و الخبثاء، و أكاد أجزم أن نقط الضوء و السلوكات الفضلى، لا ترتبط إلا بمدى انخراط أصحابها في منظومة قيم إنسانية حقيقية، تمتزج فيها القناعات بالممارسات، بعيدا عن اي تجاوز، و عن أي سكيزوفرينيا توهم صاحبها أنه يستحق الاحترام بينما هو قريب من مقام السفاهة المطلقة.
لو طلب رأيي، لاقترحت أن نغير القاعدة في بلادنا، و أن نحتفل، في يوم الثامن من شهر مارس من كل سنة، بكل رجل مغربي تغلب على طغيان الأنا و نزوعات الشر، و انخرط بيقين في اعتبار المرأة المغربية، و كل نساء العالم، كائنا لا يهينه إلا لئيم، و لا يظلمه إلا ضعيف الأخلاق، و لا يبخس حقوقه إلا متسلط أشر. و يكون لنا، بعد ذلك، أن نترك ثلاثة مائة و أربعة و ستين يوما في السنة، لنحتفل بالمرأة الأم، و الزوجة، و البنت، و الأخت، و الحبيبة و الصديقة، و الزميلة و الرفيقة، و المفكرة و المثقفة و المبدعة و الفنانة، و المستثمرة و المدبرة، و الأستاذة و المكونة و المعلمة، و الإعلامية و الصحافية، و الطبيبة و الممرضة، و القاضية و المحامية و العدل، والمحدثة و العالمة و المقرأة، و الرياضية و اللاعبة، و الشرطية و الجندية، و الوالية و العاملة، والمنتخبة و الرئيسة و النائبة، و الفلاحة و العاملة و… و… فلربما قد نحتاج لأكثر من ذلك العدد من الأيام لنعطيهن كامل حقهن من الاحترام و التقدير و المودة و المحبة، و نستحق بذلك أن يحتفلن هن بنا يوم 8 مارس.
ما رأيكم في هذا الاقتراح؟ المهم… إلى ذلك الحين، جعل الله كل أيامنا أعياد فرح صادق و مستحق، و سموا و تجانسا بين الأفعال و الأقوال…
(*) باحث متخصص في التدبير و الحكامة الترابية
قم بكتابة اول تعليق