
صدر مؤخرا للكاتب الحبيب الدائم ربي كتابان جديدان الأول، عن الجمعية المغربية للباحثين في الرحلة، بعنوان ” تنانير قصيرة في شارع طويل: رحلة إلى بلاد البوذيين والهندوس” وهو محكي سفَر استعاد فيه المؤلف تفاصيل رحلة قام بها إلى الشرق الأقصى، وخاصة إلى مملكة ماليزيا وجزيرة بالي الأندونيسية، فتوقف عند مجموعة من الظواهر الثقافية والتفاصيل الجيوتاريخية الحية التي تؤطر حياة الناس على اختلاف توجهاتهم وأعراقهم ودياناتهم، مبرزا كيف لهذه التفاصيل على تعددها وتنوعها تساهم في تناغم حياة هذا المواطن في شرق الشرق، الذي يزاوج في معيشه اليومي بين الرنو إلى المستقبل والإخلاص للتقاليد، فكما هو براغماتي ومحكوم بالإيقاع السريع لمتطلبات العصر فإنه مخلص لإيمانه بالأرواح و المعتقدات القديمة، سيما البوذية والهندوسية، علما بأن للإسلام حضوره القوي هناك، فضلا عن عشرات الديانات الأخرى التي تتعايش في وئام كبير. والكتاب، إلى جانب أسلوبه الأدبي المقتصد، يتضمن مشاهد وأخبارا ووقائع وأفكارا قد تبدو غريبة إلا أنها تعكس سردية مختلفة عن السردية العربية أو الغربية التي ألفنا تنميطها لرؤيتنا لأنفسنا وللعالم.
أما الكتاب الثاني، الصادر عن دار إيدسيون بلوس(مكتبة السلام)،” مدخل إلى الأدب الوجيز، أو كتابة الما بعد” فمحاولة لبسط واستشكال ما بات يسمى بـ”الأدب الوجيز”. وقد تضمن مجموعة من المحاور النظرية والتطبيقية التي من شأنها أن تساهم في فهم هذه الظاهرة، بحس نقدي يقف على الطموحات والمآزق التي ترافقها. من ذلك أن فكرة الوجازة أو ما أطلق عليه الكاتب “كتابة الما بعد” وإن كانت لها مشروعيتها في تحريك فعل الكتابة وجعله مواكبا لروح العصر، حيث السرعة والدقة والاقتصادوالخذف والتكثيف، فإنها، ما لم تتحصن بمرتكزات قوية، ليست قيمة فنية في حد ذاتها، خاصة وأنها قد تشجع على انتفاء المسافة بين الأدب وقلة الأدب، لا بالمعنى الأخلاقي وحسب، وإنما أيضا بجعل الكتابة الأدبية ملجأ للأدعياء وعديمي المواهب، وما يؤكد ذلك هو ما بتنا نلحظه من ركاكات، باسم الأدب، في مواقع التواصل الاجتماعي، في غياب نقد نابع من الظاهرة لا من خارجها. وكما توقف الكتاب عند التباس مفهوم الطول والقصر في النصوص الأدبية، وإلى لغة التويتات والتغريدات والإيموجيات الأيقونية، فإنه عمد إلى قراءة بعض نماذجها الورقية والافتراضية المائزة. إنه مدخل يناصر التجديد لكنه يتوجس من تداعيات هذا التجديد المتوحش.
قم بكتابة اول تعليق