” فندق الباشا ” أول فندق للمسافرين بالجديدة …مصنع متسولين وخلوة معتوهين … وسجن من سنوات الرصاص

بقلم – عبد الله غيتومي

يقع ” فندق الباشا” ببوشريط وتسميته تعود إلى مالكه الأول الباشا حمو بلعباس الهمادي ، وتذكر بعض المصادر أن الباشا بنى مسجدا يحمل إسمه إلى حد اﻵن ، وكان ذلك سنة 1370 هجرية التي توافق سنة 1940 ميلادية ، وعلى يمين هذا المسجد كانت هناك ساحة خلاء ، أعطى الباشا أوامره ليشيد فوقها ” فندق الباشا وذلك في سنة 1950 .
وفندق الباشا الذي يربو عمره عن سبعين سنة ، هو توأم لفندق اليهودية بسوق علال القاسمي وفندق آخر بشارع الزرقطوني ، ويظل أول فندق للمسافرين الذين كانوا يقصدونه من بوادي دكالة ، ليبيتوا فيه ليلة قبل الانصراف إلى قضاء أغراضهم ، التي جاؤوا من أجلها إلى المدينة ، ومنها بيع الدجاج والبيض والزبدة البلدية في مكان قبالة ” سبيطار بوشريط ” الذين كانوا يقصدونه لإجراء فحص للكشف عن أمراض الرئة والجهاز التنفسي ، أو ماكان يعرف ب” بلاكة الصدر ” التي كانت تنجز بواسطة جهاز راديو مثبت في شاحنة من نوع ” بيرليي ” .
وكان البعض يبيت في الفندق للحضور باكرا إلى ” الجمعية ” في جلسات بمحكمة الاستئناف بدرب غلف أو ما كانت تعرف به عند الأهالي بمحكمة ” السدد “
وكان الفندق مكانا مفضلا للدغوغي الطبيب المشهور في قلع الأسنان بواسطة ” الكلاب ” بضم الكاف ، في عيادته التي يقيمها بالهواء الطلق تحت ط كرمة بوشريط ” ، كما أن فندق الباشا كان مقاما مفضلا للعديد من رواد الحلقة الذين كانوا ينشطون تحت الكرمة السالفة الذكر .
وكانت ذروة الإقبال على الفندق هي تلك التي تصادف أيام ” العواشر ” التي تكون فرصة للمتسولين لتحسين دخلهم .
بل إن البعض من نزلاء الفندق ، كانت تغريه مداخيل المتسولين ، وعادة ما يجد متخصصا في صنع العاهات على طريقة ” زيطة صانع العاهات ” الذي ذكره نجيب محفوظ في روايته ” زقاق المدق ” الصادرة سنة 1947 ، فينضم إلى طابور المتسولين ويطيب له المقام بالفندق شهورا وأعواما ، كما الحال لسيدة جاءت تسعى الله فمكثت في غرفة من غرفه لأربعين سنة إلى أن انتقلت منها إلى دار البقاء .
ويضم فندق الباشا 36 غرفة مزدوجة وغرفتين جماعيتين ” سويت ” واحدة للرجال ومثلها للنساء ، وكان ثمن المبيت فيه عهد الحماية درهم واحد لليلة واحدة ، ووصل الثمن اليوم إلى 25 درهما لليلة في غرفة مساحتها 4 أمتار مربعة ، و10 دراهم للفرد الواحد في غرفة جماعية .
والفندق لا يوفر لنزلائه أفرشة للنوم بل هو يكري لهم ” الدص ” فقط وعليهم إحضار فراشهم ، الذي هو في غالب الأوقات قطع من الكارطون أو إسفنج متهالك ، لدرجة يخيل لزائر الفندق أنه أخطأ الطريق غلى سجن من سجون سنوات الرصاص وأن الجديدة حتما لم تتصالح مع ماضيها
وكانت السلطات خاصة لما كانت الانتخابات تجري بنظام الدوائر ، تعتبر الفندق ” قاعدة خلفية ” لمصوتين تجندهم لترجيح كفة من ترضى عليه وتريد نجاحه في الدائرة الانتخابية رقم 19 .
هكذا كانت الأمور في فندق لم تكن تتذكره السلطة والأحزاب السياسية ، إلا كلما حان موعد الانتخابات لاستغلاله قاعدة ولاءات انتخابية لفائدة مترشحين دون غيرهم ، لكن يحكي المسؤول عن الفندق أنه كان خارج المراقبة ، وان السلطات الأمنية فرضت سجلا لضبط الوافدين عليه والتحقق من هوياتهم ، سيما بعد أن جرى تفكيك خلية داعشية بمنزل خلفه مجاور لإعدادية الرافعي .
فندق الباشا هو شبيه اليوم بدار العجزة ، لأن معظم نزلائه ممن تقدم بهم السن بشكل كبير ، ومن الذين لفظهم المجتمع في ظروف مختلفة ، هو في جوه العام يصم مدينة الجديدة بالعار ، ويسائل حتما المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وكل المبادرات المدنية ، التي لم تفكر في تدخل مجد ، لترميم غرفه من منطلق أن الفندق برغم علاته ، أضحى من تراث المدينة ، الأمر الذي يفرض رصد اعتماد مالي لأنسنته وتحسين ظروف إيواء القاطنين به ، في إطار مبادرات شبيهة بمجموعة من المبادرات البشرية التي تمت في السابق بمؤسسات لم تكن أبدا تكتسي صبغة أولويات .

قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


64 − 60 =