بقلم – محمد حجاوي ( مهتم مدني وفاعل مجتمعي)
دفع زمن كورونا بالمغرب العديد من المهتمين بالشأن السياسي إلى رصد المواقف والكيفيات والممارسات التي صدرت عن معظم الأحزاب السياسية المغربية، وذلك إزاء تعاملها مع جائحة كوفيد19، من حيث الخدمات والمهام التي بلورتها لتوعية المواطنين والمواطنات، وتحسيسهم بأهمية الانخراط الفعلي والفعال، في مواجهة أخطار وعواقب هذه الجائحة.
ويؤكد أغلب المتتبعين للشأنين السياسي والتنموي أن كثيرا من هذه الأحزاب لم ترق إلى تقديم الخِدْمات الضرورية للمساهمة في تطويق انتشار هذه الجائحة، والتخفيف من حدة تناميها وتطورها وخطورتها، وانعكاساتها السلبية على مجتمعنا واقتصادنا وتنميتنا الشاملة؛ اذ أنها لم تشارك بشكل فعلي وفعال، في مختلف المحطات التي شهدتها ماجريات وأطوار تدبير هذه الجائحة، ولم تتمكن من تسخير مواردها البشرية والمادية والمالية لمساعدة ودعم الفئات الهشة من المجتمع التي تضررت من تداعيات هذا الوباء، ولم تسع إلى المساهمة في تأطير المواطنين والمواطنات، وتوجيههم وتوعيتهم بالشكل الذي يقنعهم بضرورة الالتزام بالتوجيهات الرسمية، والقواعد والإجراءات الضرورية للوقاية أو الحد من انتشار هذه الكارثة الوبائية، بل إن جلها لم ينخرط، وبكيفية جدية، في تقديم اقتراحات حلول وبدائل وسيناريوهات يمكن اللجوء إليها للخروج من هذه الانتكاسة الاقتصادية والاجتماعية التي ألمت ببلادنا، وألحقت بقطاعاتنا ومجالاتنا الحيوية العمومية والخصوصية، أضرارا جسيمة. فإلى ما يرجع ذلك؟ وهل يمكن اعتبار هذا الموقف (السلبي) راجع بالأساس، إلى كون الانتخابات الجماعية والتشريعية قد اقترب موعدها وبالتالي، فإن أي تحرك لهذه الأحزاب في هذه الظرفية، قد يفسر بأنه حملات انتخابية سابقة لأوانها؟ أم أن معظم هذه الأحزاب ألفت تجميد أنشطتها وحملاتها طيلة المدة التي تفصل بين الاستحقاقات الانتخابية السابقة واللاحقة؟ أم أنها لا تريد أن تستنزف مواردها البشرية والمادية وإمكاناتها المتنوعة لتدخر كل قواها وطاقاتها ووسائلها لاستحقاقات سباق المسافات الأخيرة لانتخابات “2021” المقبلة؟
إن المتأمل في القوانين الأساسية، والبرامج والمشاريع والخطط المرتبطة بأحزابنا السياسية، يدرك أنها تعلن التزامها بممارسة وإنجاز المهام والوظائف التالية:
• تعبئة وتوعية وتأطير المواطنين والمواطنات من مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية، بكيفية مستمرة ودائمة، والدفع بهم إلى الانخراط في العمل السياسي والاجتماعي والثقافي، البعيد عن المصالح الشخصية؛
• توجيه المناضلين والمنتمين والمتعاطفين…والعمل على تكوينهم، واطلاعهم وإخبارهم بكل الحقائق والمستجدات والمعلومات التي تعنيهم، وتعبر عن توجه هذه الأحزاب، والسعي الى استقطاب واجتذاب أعضاء وناخبين جدد؛
• مساعدة المناضلين والمنخرطين على القيام بالمهام والأدوار التي تناط بهم، وتحميلهم المسؤوليات والصلاحيات، والاهتمام بهم، والتعامل معهم بأساليب وقيم الديمقراطية والشفافية والوضوح والإنصاف، وفسح المجال أمام الكفاءات المؤهلة للترقي واحتلال مواقع المسؤولية وصنع القرار؛
• العمل على تطوير برامجها ومناهجها ومشاريعها وخططها بالشكل الذي يجعلها تساير المستجدات وتستجيب للرهانات، وتواجه التحديات وتقاوم الاختلالات والانحرافات، وتتصدى للمشكلات والصعوبات، وتساهم في التحولات والتغييرات والتطورات الإيجابية التي ينتظرها مجتمعنا؛
• انفتاحها التفاعلي والإيجابي على محيطها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي بما يجعلها قادرة على المساهمة في إبداع الحلول والبدائل للمعضلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحد من التنمية والتغيير؛
• السعي الدائم لتحقيق التكامل والتلاحم والترابط بين مختلف مكوناتها ومسؤوليها ومنخرطيها ومناضليها بالشكل الذي يمكنها من إرساء أسس ومبادئ الديمقراطية الداخلية، والحوار الناجع والتشاور والتداول المثمرين.
بعد عرض أهم المهام والأدوار التي يفترض أن تنهض بها أحزابنا السياسية باستمرار، وعلى مدار السنة، وإزاء الكوارث والأزمات، يطفو على السطح سيل من الأسئلة التي ننتظر من المهتمين بالشأن الحزبي السياسي صوغ أجوبة عنها: لماذا لا تمارس أحزابنا هذه المهام والأدوار بكيفية مستمرة ومستدامة؟ ما الذي يمنعها من ذلك؟ أو ليس من واجبها المساهمة في تأطير وتوعية المواطنين والمواطنات؟ ولماذا لم تنخرط بفعالية، في عمليات مواجهة جائحة كورونا التي ألمت ببلادنا واكتسحت بعض بلدان العالم؟ وماذا بقي لهذه الأحزاب أن تقوم به وتمارسه؟ وما الرصيد الذي ادخرته في زمن الأزمة الوبائية لاستثماره في سباق الانتخابات المقبلة؟ ألا يقتضي الوضع في الزمن الجديد مراجعة ونقدا ذاتيا، وإعادة الاعتبار بما يتيح قراءة فاحصة للمرحلة واستيعاب تداعياتها، وبلورة توجهات واختيارات تستجيب لمطالب الشعب المغربي الجوهرية، وانتظاراته الحيوية بكل طبقاته وشرائحه الاجتماعية؟
وأخيرا، ولأن العالم بعد كورونا لن يكون مثل سابقه، فإن مجابهة تداعيات الزمن الحالي وتحدياته تستلزم الانعتاق من التفكير من داخل الصندوق الأليف، وتجاوز دائرة الارتياح الأثيرة، وإعادة ضبط الإيقاع، والاجتراء على بلورة رؤى جديدة، وتوجهات تنموية نوعية وناجعة، وبرامج مبدعة قد تمهد لتحقيق المصالحة، واستعادة الشرعية السياسية والمشروعية المجتمعية…
قم بكتابة اول تعليق