بقلم رشيد بلفقيه
لم يمت ذلك الفن المتمرد الذي نشأ في الهوامش و الأقبية و السجون الأمريكية ، لم ينته بعد رغم الفضائح الجنسية و مشاكل الإدمان التي تطارد نجومه في كل أنحاء العالم . بل استطاع أن يصنع له مند ظهوره صدى في عمق الشعوب الفقيرة في العالم كله ، صحيح أن الصدى كان مضحكا أحيانا يظهر معه من يعيش في هوامش وادي زم أو البير الجديد في مظهر من يتوهم أنه انتقل للعيش في ديترويت أو مدن الساحل الغربي الأمريكيبمجرد ارتداء سروال فضفاض و اعتمار قبعة “مفشكلة” .
المهم ، الحرب استعر رحاها بين نحارير هذا الفن بعيد “الكلاش “الذي أطلقه “توفيق حازب” حامل الوسام الملكي و المستفيد من علاقات قرب مع بعض الأحزاب المغربية مما يضمن له السيطرة و النفود و الذي صارت خرجاته تحضى بتتبع يوتوبي كبير، مما جعل الردود تتناسل بسرعة للرد عليه .
من بين الردود المتعددة على خرجة الضخم ، أثارنا الرد “الديزي دروصي ” الذي استعار فيه اسم المتنبي و جعله لقبا له قدم به نفسه في ختام الكلاشقالبا بذلك التقاليد التي تفرض على المتحدث أن يقدم نفسه في البداية لا في نهاية المداخلة و هذا ما يمكن تصنيفه ضمن بلاغة الختم خصوصا إذا كان المتلقي يجيد تحليل المشفر ، فالمتنبي ليس بالاسم الذي يتم توظيفه هكذا اعتباطا لما يجمله من دلالات الشاعر المفوه المتفوق على مجايليه و هو ما دفعه –و لا شك – لاستعارة هذا الاسم ، هذا الرد بدا أكثر عمقا من غيره لأنه وظف مجموعة من الأساليب البلاغية التي صبت كلها في وجهة واحدة و هي تحويل الكفة إلى صالحه و جعل المتلقي يغير موقفهيتموقف في صفه ، صحيح أن البيغ كان محترفا جدا و هو يطلق الرصاص على العديد من الأسماء و يدمرها باحترافية لكنه كان يحاجج للدفاع عن مكانته و هو ما وضعه في موضع المهاجم بعكس الدروص الذي كانيحاجج للدود عن نفسهانطلاقا من وضعية المدافع .
بلاغة الراب إذا تم غسلها بالقليل من ماء العفة من الكلام الفاحش الذي أوغل فيه توفيق حازب ، وفاء للخلفية الفكرية و السياسية التي ينتمي إليها ربما ، يمكن أن تكون موضوعا ممتازا لدراسة مقدرة المتكلم بالمعنىالكوينتلياني و الشيشروني في الدفاع عن نفسه بأساليب قديمة حديثة ، وهو ما يوحي بالكثير من الأفكار في هذا الصدد فمثلا لا حصرا وظف الرابور لغتنا المشتركة الدارجة التي نجيدها جميعا و تميز فيها و هذا ما كان يفعله الشعراء قديما ، و وظفها بمقصديات مختلفة مدافعا مدينا محاولا صنع ايتوسه المثالي على أنقاض عكس النموذج المتمثل في البيغ و الذي جعله مرادفا لكل ما في السوء من سوء . وظف الرابور حججا مختلفة في مداخلته فاستعمل الحجج المنطقية التي برر بها رجوعه للانتقاد و الحجج الواقعية التي سردها مدينا توفيق حازب و بعض أفراد أسرته ، و حجج السلطة التي استمدها من تاريخه في هذا الفن كما وظف أيضا التكرار و التعريف و الضمائر في لفيف من كل ذلك وفق تنظيم هوميري /نستوري مزج فيه بين القوة و الضعيفة مستهلا بالحجج الأقوى خاتما بها عاقدا كذلك المقارنات بين توفيق حازب و بنكيران الذي صيره حنكيران لما ترسخ عنه من كثرة الكلام دون إنجازات حقيقية ، مردفا بالكثير من الأساليب الأخرى التي قد نرجع لها بالتحليل المستفيض في مقالة مركزة لاحقا .
الساحة الفنية المغربية خنقتها أنواع غنائية خاصة في السنة الفارطة ،جعلتها مرحاضا حقيقيا بُدل فيه الغالي و النفيس لتحقيق البوز بالايحاءاتالجنسية و الشذوذ و توظيف التفاهات الحقيقية و الشخصيات الغريبة التي اشتهرت دون أن تكون قد قدمت شيئا حقيقا تستحق شهرتها عليه ، و هذا يحتاج فعلا لسنة مغايرة ، ولو أن الاتجاهات الحالية للأغنية المغربية لا ترضي جل الأذواق السليمة . لكن في انتظار صحوة الأساتذة و عودتهم من بروجهم النائية “هاد الشي اللي عطا الله ” حاليا .
قم بكتابة اول تعليق