حكاية “عباد الصغير” الأسير السابق لدى البوليساريو

حاوره – المصطفى اسعد :
التقيت بوجوه عدة وشخصيات كبيرة وعلى مستوى عال من الحمولة الثقافية والتمثيل داخل المجتمع من وزراء وسياسيين وأطر عالمية وفنانين وسفراء… ولا أخفيكم سرا أنه لم يؤثر بي كلام شخص البتة كما أثر في ما حكاه لي عباد الصغير من سلسلة كتابه الحياتي وكيف مرت 24 سنة و20 يوما بمخيمات الذل والقهر العالمي بتندوف حيت الجهل على مصراعيه والنهب واستغلال إخواننا الصحراويين يتم ببساطة .
وبصدق هذا الرجل يلزمه حلقات عدة لإفراغ ما بجعبته من كتب ومسلسلات ومقالات بالجملة لأنه مهما كتبنا وكيفما جاءت الحوارات معه لن توفيه حقه ولن ترجع له ولو القليل مما قدم لهذا الوطن .
ونترككم مع هذه الشخصية الوطنية حد الجنون لتتعرفوا عن قرب على أبطال مختفون بيننا.

س: كيف تم أسركم؟ و كم قضيت في سجون الخونة؟

ج: طبعا لم يكن هذا منذ الوهلة الأولى ، لا عند التحاقي بميدان الشرف و لا يوم المعركة الشهيرة “بئر إنزران” بل بعد السنوات الأربع التي قضيتها في الأقاليم الجنوبية وحتى في الأراضي الموريتانية إبان الدفاع المشترك في عهد المختار ولد داداه.

في يوم 17 رمضان الموافق 11/08/1979 قامت مجموعة من المرتزقة الجزائريين بمهاجمة قرية بئر أنزران على الساعة الخامسة صباحا والتي كان يوجد بها سكان مدنيون يعيشون تحت حماية القوات المسلحة الملكية. قلت بدأت الشرارة الأولى لتبادل إطلاق النار بيننا وبين المرتزقة باكرا لا شيء يظهر سوى الشهب النارية في الجو الواحدة تعاكس الأخرى حيث استمرت المعركة حتى إلى ما بعد الثانية زوالا.

بالرغم من تفوق المرتزقة من ناحية العدد و العدة كانت شجاعة المغاربة و تجاربهم في ميدان الحرب سببا في إفشال خطة المرتزقة للوصول إلى القرية و السيطرة عليها و أخد المدنيين إلى مخيمات تندوف. أسرت و أنا في الجبهة الأمامية و اختلطت دمائنا برمال أقاليمنا الجنوبية و رغم جراحنا كان المرتزقة ينهالون علينا بالضرب و الركل و الأيادي مكبلة و الأعين معصبة كنت أنداك قوي العزيمة لأن الأعداء لم يحققوا مبتغاهم في السيطرة على القرية و لم نخسر المعركة ولا الهدف و الشاهد على هدا لازال قائما فالساحات و الشوارع و الأزقة و المؤسسات كلها تحمل اسم “بئر أنزران” شهادة على ما قامت به قواتنا المسلحة التي كانت مرابطة هناك، واسألوا معد برنامج شوارع لمادا أطلق عليها هدا الاسم.

قضيت في سجون المرتزقة أربع و عشرون سنة و عشرون يوما مند كان عمري في مطلع السادسة والعشرون كلها محن،عذاب وحكرة فأنت في قبضة العدو فماذا تنتظر منه أن يفعل بك؟ عشت تلك التجربة المرة و تعاملت معها بكل ما أوتيت من قوة الإيمان و قدسية ما كنت أحمل السلاح من أجله، ورغم أسري لم أستسلم للعدو وبقيت أحاربه في عقر داره بشتى الوسائل مرورا بالإعلام الذي كان يزورنا و انتهاء بالتخريب إلى أن عدت إلى وطني الحبيب يوم 01/09/2003 وأنا في بداية الخمسين من العمر.

س:ما هي أهم الأحداث في تجربتك المرة في الأسر؟

ج:أول ما وطئت قدماي حمادة تندوف بدأت الأحداث تسجل في شريط ذاكرتي بعد مغرب السادس عشر من غشت 1979م دخلت سجن الرابوني في حالة يرثى لها بعد أيام قضيناها في الصواري مع المرقزقة ونحن مكبلين تارة و تارة يزيلون عنا السلاسل للعمل أما في الحفر أو شحن الذخائر و المحروقات الموجودة في البراميل ناهيك عن الضرب و الشتم و لا أحد يرحمك سوى الله.

في تلك الليلة بعد الإجراءات الاستنطاقية زج بنا في حفر عارية عبارة عن خنادق وسط سور عال أحيط بها في أحد أركانه يوجد برج الحراس في اليوم التالي أخدنا إلى خارج هذا السجن اللعين في مكان عاري قرب بئر الرابوني المسمى بئر بو جمعة الذي يزود تندوف المدينة بالماء وكذلك مخيمات الذل والعار كانت تتزود منه بواسطة شاحنات صهاريج.

كانت أول مرة خرجت خارج هذا السور وقفنا في صفوف عرفنا أننا ننتظر قدوم أحد,وفعلا بعد لحظات ظهرت مجموعة من السيارات العسكرية توقفت بجانبنا كانت تحمل عددا من الضباط و ضباط الصف الجزائريون توجهوا نحونا ركزوا أسئلتهم على من كان أكبر منا سنا و كان يسألون عن من كان في الجيش الفرنسي ومن شارك في حرب 1963م وكان كلامهم كله تهكم وكأنهم يقولون لنا بأعينهم أننا ننتقم لحرب الرمال.

ومن هنا في تلك اللحظة بدأت أهم الأحداث، ظهر الوجه المموه الذي يقف وراء الانفصاليين و من يريد زعزعة الاستقرار في المنطقة. من هنا ومن بعد هده الزيارة التي لم ترافقها لا صحافة جزائرية ولا أجنبية بدأ الانتقام ممن هم عملاء النظام الملكي أو الغزاة كما يحلوا لهم مخاطبتنا. الأعمال الشاقة، الضرب المبرح قلة النوم والتغذية، وسائل النظافة منعدمة وجدنا أنفسنا محاطين بأناس جهلاء متخلفين لا شفقة ولا رحمة في قلوبهم شحنوا من طرف “الترونزيستور” الشيوعي الاشتراكي؛الذي غسل أدمغتهم وحولهم إلى وحوش في الصحاري لا يعرفون سوى القتل والتعذيب.

تعرفت على المخيمات ومن يسكنها فعلا؛ فلم يكن الصحراوي المغربي وحده هناك بل كما نقول بالعامية المغربية “رأس الحانوت” الصحراوي “الترغي” الصحراوي الجزائري والصحراوي الموريتاني، كلمة القبيلة أقبرت عندهم في تلك الفترة. تعرفنا على المراكز العسكرية التي تدرب المرتزقة والمنتشرة فوق صحاري منطقة تندوف و على القواعد العسكرية التي تستقبل الدعم اللوجستيكي المقدم للانفصاليين، تعرفت على سجون المرتزقة التي أقامتها الاستخبارات الجزائرية لإسكات كل من اختطف من طرفهم و رفض فكرة الانفصال.

لامست حجم الدعم الذي كان يقدمه النظام الليبي آنذاك للمرتزقة من سلاح و صواريخ و ذخائر و ألغام وغيرها. و كذالك الدعم الذي قدمه نظام فديل كاسترو الكوبي من أطباء و جعل كوبا قاعدة لتهجير الشباب و الشابات و شحنهم بالاديولوجية الشيوعية و تلقينهم دروسا و شعارات انفصالية. تعرفت على مكائد الأسبان المستعمرون السابقون الذين خرجوا من باب الصحراء ودخلوا من النافدة بعدما كانوا حرموا سكان المنطقة من كل الحقوق المعرفية و العيش الكريم.

مع طول المدة تباحثت مع كبار الانفصاليين ووجدت أشخاص بمناصب وزارية و هم لا يتقنون كتابة اللغة العربية ولا الأجنبية ما هم إلا بيادق في لعبة المخابرات الجزائرية.

تعرفت على حجم العداء الذي تكنه الصحافة الشيوعية التي كانت تزورنا لتروج لأطروحة الانفصال و الألاعيب و الخدع التي كان يقوم بها المرتزقة معهم من أجل تضليلهم أكثر.

وقفت على حجم الجحيم الذي يمارس في حق النساء و الأطفال في مخيمات الذل و العار حتى قامت إحدى الجهات بزيارتهم، نأسف لحالهم و نشفق عليهم فقد حرموا من أبسط وسائل العيش رغم الدعم المقدم لهم. وتم تجنيد النساء في المعسكرات لتوظيفهم لكل الأغراض.

أما نحن الأسرى فالتجربة كانت طويلة و مرة؛ تعرضنا لأبشع طرق التعذيب الجسدي و النفسي و بالخصوص مع كثرة محاولات الهروب.

من كان في خنادق تحت الأرض في المراكز العسكرية فهو في الليل مقبر و من كان متواجدا في المعتقلات مثل سجن الرابوني و سجن 9 يونيو فلا نوم الأصحاء؛ يكون مع السابعة مساءا و العاشرة ليلا و الواحدة بعد منتصف الليل و الخامسة صباحا بالعذاب يعد الليالي ويتألم .

من هرب و نجا و هم قليلون ؟ أما من ألقي عليه القبض كان مصيره إما الموت تحت التعذيب أو يعدم في صحته حتى لا يقدر على الهروب مرة أخرى والتجارب كثيرة في هذه المرحلة الطويلة.

س: تحدثت عن جهل و تخلف الانفصاليين و كونهم صورة فقط للمخابرات الجزائرية كيف ذالك؟

ج:جهل و تخلف الانفصاليين تحدثت عنه في جوابي عن السؤال الثالث أما أنهم صورة للمخابرات الجزائرية فإن كبار الانفصاليين لا يجهلون هذا فهم يعلمون بهذا ويدركونه و لكن مع العلم أن معظمهم كانوا طلبة مغاربة يريدون الانتقام لشيء في نفوسهم على وطنهم و تنكروا لوطنهم فأصبحوا كفراشة النور تدعي أنها تحب النور ولكنها تنتحر به في آخر المطاف.

و الدليل ما وقع لزعيم الانفصاليين الوالي مصطفى السيد عند أول شرارة لهذا المشكل المفتعل حيث أعدم في معركة بالأراضي الموريتانية باسم الاستشهاد، وخلفوه بعبد العزيز المراكشي و هذا في يوم 9 يونيو 1976. رحمة الله عليه.

مثل بسيط عن جهل و تخلف من وظفوا لمعاقبتنا و تعذيبنا إذا ارتدينا قميصا أحمر أو لونا آخر قريب منه فإن العقوبة على ذالك هي الجلد بتهمة “ارتداء راية الملك” وكذالك الأمر عند تأدية الصلاة أثناء وقت العمل حيث كانوا يعتبرون ذالك تمردا عن العمل و الأمثلة كثيرة.

وما زلت أتذكر كلمة كنت أجيب بها على سؤال الجلادين لي مالذي أتى بك إلى الصحراء؟ حيث كنت أرد عليهم بأنني جئت من أجل 184 ألف.

س: كيف كان يعاملكم المغاربة الصحراويون المحتجزون هناك؟

ج: أولا و قبل البدء في الجواب أتقدم لهم بالتحية و الشكر و الإكبار على إخلاصهم لوطنهم المغرب و على تعاطفهم معنا في تلك المحنة وعلى ما قدموه لنا من دعم و مساعدات و لو كانت بسيطة غير أنها كانت بالنسبة لنا مغامرة وسط حقل من الألغام و الأسلاك الشائكة من المخابرات و الوشاة. وأقول لهم سيروا على هذا النهج والله معكم و الفرج آت لا محالة فاصبروا و اثبتوا و لقنوا أبناءكم روح الوطنية المغربية و اعلم جيدا أن كثيرا من الشيوخ الذين عجزوا عن التحرك و لكن ضمائرهم الحية و قلوبهم الصادقة في وطنيتها لم تمت قط.

كانوا يتعاملون معنا و كأننا فلذات أكبادهم و أعطيكم مثلا بسيطا لرجل صحراوي مغربي شجاع لا و لا يهاب أحدا سوى الله وهو المرحوم البشير ولد الحسين حيث كان المرتزقة يشوون اللحم و نحن في العمل و كان يأخذ نصيبه ويأتي به إلينا و يضعه في أفواهنا و الله شاهد على هذا، قدموا لنا دعما في كل ما كنا نحتاجه حتى كتابة الرسائل و تسجيل الأشرطة وكانوا يرسلونها إلى أهلنا في المغرب عن طريق بريد الجزائر ولدينا الدليل على هذا و هو وصل بريد الجزائر.

كانوا يزودوننا بالأخبار الجديدة عن قضية الصحراء المغربية و كانوا يجلبون لنا المذياع رغم منع ذلك من طرف المرتزقة.

س: ماذا بعد العودة إلى المغرب:

ج: المغرب بالنسبة لي الوطنية والفداء و إجابة على هذا السؤال أحمد الله أولا على وجودي بين ظهران أهلنا و أرض دافعنا عليها بكل قوة و احتضنتنا و ها نحن اليوم نعيش فوق بساطها و الكل رزق بالبنين و هذا فضل من الله.

لم نلقى الاستقبال الذي كنا نتمناه عند نزولنا بالمطار وما زلنا نطالب باستكمال حقوقنا، أدينا الواجب ولا أحد يستطيع أن يعوضنا عن شبابنا و لا في حريتنا التي سلبت منا و نحن لا نعتبر هذه خسارة بل على العكس من ذلك لأنها لم تذهب هدرا و إنما في سبيل الوحدة الوطنية وكان من الواجب على فئة من الشعب المغربي أن تقوم بهذا و الحمد لله حصلنا على هذا الشرف و أدينا الواجب و ما زلنا مستعدين إن طلب منا تأديته مرة أخرى. وهنا أطلب ممن يهمهم الأمر أن ينصفوا الرجال الذين تركوكم طلبة ووجدوكم بعد العودة في أعلى المواقع يا من لهم الغيرة على هذا الوطن و على من ضحوا من أجله إلى العقول النيرة و الضمائر الحية و الكمال كله لله وحده و لا لأحد سواه.

س: ماذا تعني إليك هذه الكلمات:

الرابوني: كلمة تعني للمغاربة الأسرى سجن سلب حريتهم و شبابهم، تعلموا منه الكثير و عرفوا من خلاله الكثير﴿غوانتنامو تندوف﴾، الرابوني السجن و الجلادين.

الحرية: الحرية لا يعرف قيمتها إلا من سلبت منه في المقام الأول ومن دافع عنها في المقام الثاني.

البندقية: وسيلة للدفاع عن النفس بالنسبة لي كانت المؤنس في الوحدة وأنا مرابط بالخندق أحرس في جوف الليل لا تسمع إلا عويل الذئاب… البندقية اسمها مرتبط بالحرية.

إيران: أحد أعداء المغرب قدمت الدعم للبوليساريو ماديا و سياسيا وهي عصى استغلتها الجزائر لضرب المغرب إبان حرب العراق مع نظام الخميني حيث وقف المغاربة إلى جانب الأشقاء العراقيين.

الجزائر: الشعب والبلد إخوة لنا أشقاء أما نظام الجنرالات الحاكم فهو عدو للمغرب و المغاربة ملكا و شعبا وحفرة تعثر بناء مغرب عربي كبير و موحد.

س: كلمة أخيرة للقراء:

أقول للقارئ الكريم إليك مني أسمى عبارات التقدير و الاحترام.
إلى العقول النيرة و الضمائر الحية، إلى من تقشعر جلودهم للنشيد الوطني و الغيرة على الوطن ، لقنوا أبنائكم دروس الوطنية و الغيرة على هذا البلد الذي وهبه الله لنا و هو أمانة في أعناقنا، وحب الوطن من الإيمان. إلى الصحافة بأنواعها ،إلى الكتاب، إلى من يهمهم التاريخ ابحثوا في ذاكرة هذه الفئة حتى لا تضيع الحقائق و السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته.

قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


+ 25 = 33