تنقل بين الأدب والعلوم الإنسانية حتى استقر به المقام في سجلات التاريخ كأحد أهم القامات الأدبية والعلمية المغربية… اللافت للانتباه في مسار الخطيبي، كان تعدد المجالات التي اقتحمها… كانت اهتماماته متنوعة، فهو السوسيولوجي والأنثربولوجي والروائي والشاعر والناقد الأدبي والسيميائي والمفكر و… غير هذا كثير. أجاد خمس لغات أتاحت له السفر في أقطاب العالم، يعرف من خلالها الثقافة المغربية، المغاربية، العربية والإسلامية… لهذا يصف نفسه في أحد مؤلفاته، بـ”الغريب المحترف”.
يندر أن نصادف أشخاصا تصعب الإحاطة بنطاق عملهم وتصنيف المجال الذي يشتغلون فيه… لكن هؤلاء موجودون بالفعل، وواحد من بينهم، كان عبد الكبير الخطيبي.
الخطيبي تنقل بين أجناس الأدب ومختلف العلوم الإنسانية، وأعطى لكل جنس تمام حقه، صانعا من كتاباته بذلك، مشروعا مكتمل الأركان.
إن قلت هو شاعر، أصبت؛ وإن قلت روائيا أصبت؛ وإن قلت عالم اجتماع أصبت؛ وإن قلت مفكرا، أصبت… وإن نسيت صفة ما… فقد جانبتَ الصواب، فماذا لو قلنا إن اهتماماته غير هذه، أكثر بكثير؟
في هذا البورتريه، إذن، نتذكر عبد الكبير الخطيبي!
في الـ11 من فبراير 1938، رأى مولود النور لعائلة لقبها الخطيبي بمدينة الجديدة… ولأن مولده صادف عيد الأضحى، فقد اقترحت عمته أن يحمل اسم عبد الكبير، وذلك ما كان.
يقول في حوار لصحيفة “العلم”: “ولدت في يوم الأضحى، وفي بداية الحرب العالمية الثانية، وفي فترة الاستعمار، وهي ثلاثة أحداث أساسية ظلت موشومة في حياتي”.
منذ باكر عمره بدأ يظهر عليه الميل إلى الأدب. أخذ ينظم قصائده الأولى وعمره 11 عاما… ذات العمر انتقل فيه إلى مراكش، حيث درس بإعدادية سيدي محمد، ثم لاحقا انتقل إلى الدار البيضاء، حيث أتم دراسته بثانوية ليوطي. كان الخطيبي وقتذاك قد بدأ ينشر قصائد له بالفرنسية في صحيفة “ماروك بريس”.
ثم ابتدأت رحلة التحصيل الجامعي، سافر الخطيبي إلى باريس عام 1959، فدرس هناك الفلسفة وعلم الاجتماع بجامعة السربون… مشوار أنهاه بنيله شهادة الدكتوراه عام 1965 في الأدب المغاربي.
احتفظ الخطيبي بصفته كأستاذ جامعي بالكلية التي اشتغل بها مدى الحياة، بتعليمات من الملك محمد السادس، مع تمتيعه بكافة الامتيازات التي يتيحها المنصب، عقب ما تعرض له من حيف زمن الملك الراحل، الحسن الثاني.
بعد عودته إلى المغرب، شغل عبد الكبير الخطيبي عدة مناصب أكاديمية، إذ اشتغل أستاذا جامعيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، ثم أستاذا مساعدا ومديرا لمعهد السوسيولوجيا، قبل أن يغلقه الحسن الثاني سنة 1970 في إطار الحرب على العقل والفلسفة. ولاحقا، مديرا للمعهد الجامعي للبحث العلمي بذات المدينة.
في غضون ذلك، انضم الخطيبي إلى اتحاد كتاب المغرب، في ماي 1976، وترأس تحرير “المجلة الاقتصادية والاجتماعية للمغرب”، كما أدار مجلة “علامات الحاضر”.
الخطيبي، بالمناسبة، احتفظ بصفته كأستاذ جامعي بالكلية التي اشتغل بها مدى الحياة، بتعليمات من الملك محمد السادس، مع تمتيعه بكافة الامتيازات التي يتيحها المنصب، عقب ما تعرض له من حيف زمن الملك الراحل، الحسن الثاني.
اللافت للانتباه في مسار الخطيبي، كان تعدد المجالات التي اقتحمها… كانت اهتماماته متنوعة، فهو السوسيولوجي والأنثربولوجي والروائي والشاعر والناقد الأدبي والسيميائي والمفكر و… غير هذا كثير. أجاد خمس لغات أتاحت له السفر في أقطاب العالم، يعرف من خلالها الثقافة المغربية، المغاربية، العربية والإسلامية… لهذا يصف نفسه في أحد مؤلفاته، بـ”الغريب المحترف”.
كان الخطيبي غزير التأليف، منذ حط قلمه على الورقة أول مرة لم يرفعه، وقد انعكس تنوعُ اهتماماته على مجالات كتابته…
هكذا، نشر ست روايات وأربعة دواوين شعرية ونصين مسرحيين وخمسة أبحاث في النقد الأدبي، إضافة إلى ست مؤلفات أكاديمية، راوحت بين الفكر السياسي وعلم الاجتماع والأنثربولوجيا وغيره، كتبها باللغة الفرنسية ثم ترجمت إلى لغات عدة.
الملاحظ في كتابات الخطيبي أن لغتها شاعرية، ولا غرابة في ذلك إذا عرفنا رأيه هذا: “الشعر هو أساس اللغة؛ لأن اللغة الشعرية، أو التكوين الشعري، ضروري لأي كاتب”.
يبدو غريبا أن يبدأ كاتب ما مشروعه الروائي بكتابة سيرة ذاتية. ذاك ما قام به الخطيبي إذ نشر رواية “الذاكرة الموشومة” عام 1971.
يقول عن ذلك: “عادة ما يقدم الكتّاب على تأليف سيرهم الذاتية في نهاية حياتهم، أما أنا فقد بدأت بها في رواية “الذاكرة الموشومة”، بدأت الأشياء وكأنني وُلدت في الكتابة. تتضمن السيرة الذاتية عندي شيئين: أولا إعطاء ملامح عن تاريخ المغرب ومراحله، والمجتمع المغربي على طريقة حياة الشخصية. والجانب الثاني هو كيف يولد الكاتب، أي كاتب، وشرح الظروف التي تساهم في هذه الولادة”.
الملاحظ في كتابات الخطيبي أن لغتها شاعرية، ولا غرابة في ذلك إذا عرفنا رأيه هذا: “الشعر هو أساس اللغة؛ لأن اللغة الشعرية، أو التكوين الشعري، ضروري لأي كاتب”.
كان الخطيبي قامة بحق وفق الكثير، حتى إن المنظر الأدبي والسيميائي الفرنسي رولان بارت، أفرد مقدمة خاصة لكتاب الخطيبي “الاسم العربي الجريح” عنونها “ما أدين به للخطيبي”، كتب فيها يقول:
“إنني والخطيبي نهتم بأشياء واحدة، بالصور والأدلة والآثار، وبالحروف والعلامات. وفي الوقت نفسه يعلمني الخطيبي جديدا، يخلخل معرفتي، لأنه يغير هذه الأشكال، كما أراه يأخذني بعيدا عن ذاتي، إلى أرضه هو، في حين أحس كأني في الطرف الأقصى من نفسي”.
نعم فالخطيبي استفاد من شتى العلوم التي يعرفها واستخدمها كأدوات، بخاصة منها السيميائيات، فاستطاع من خلالها -على الأقل- النبش في مكونات الثقافة الشعبية المهمشة.
لا بد إذن لمشوار كالذي صنعه الخطيبي أن يكون قد كوفئ بجوائز عدة… جوائز من بينها جائزة لازيو الإيطالية عن مجمل أعماله، وجائزة الأكاديمية الفرنسية، وجائزة الربيع الكبرى التي تمنحها جمعية “أهل الأدب” الفرنسية.
ثم بعد معاناة مع المرض، وعن عمر يناهز 71 عاما، ترجل عبد الكبير الخطيبي عن صهوة الحياة، في الـ16 من مارس 2009 بمدينة الرباط.
عن مرايانا – كريم الهاني
قم بكتابة اول تعليق