بقلم – عبد الله أطويل
ساعات بعد رحيل الوزير الأول الأسبق الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي رحمه الله، ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي تدوينات كلها تصب نحو مصب واحد، أجمع فيها الجامعون من فيسبوكيين وغيرهم، شبابا وشيابا على مسار نضالي حافل لرجل دولة عظيم، قد تأبى النساء عجزاً أن تَلِدْنَ مِثله. في خضم التدوينات والتغريدات التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي، تراقصت صورة تحمل مقارنة بين الأستاذ اليوسفي المشمول برحمة الله، ورئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، وزعيم سابق لحزب غارق حتى البلعوم في وحل الهفوات السياسية، من رأى الصورة ويملك مثقال ذرة من العقل قد يصاب بالغثيان، فالمقارنة في هذا الباب نراها ظالمة، مهما كانت مرماها.
نقول هذا مستحضرين قول الشاعر.
ألم تر أن السيف ينقص قدره…
إذا قيل إن السيف أمضى من العصا.
مسار المناضل والمعارض لسياسة القمع إبان مغرب الجمر والرصاص، “المنفي لفترة”، ورجل قضايا التحرير الدولية، والقضية الفلسطينية، وحرية التعبير في زمن الرصاص، وغيرها، لا يمكن عدها في مقال أو حدها في مؤلفات، ومهما قيل ودُوِّن لم ولن يوفي الرجل عطاءه ومبادئه، فبالأحرى مقارنته مع رئيس الحكومة السابق، الذي لم يسجل له التاريخ في سجله سوى تقاعد مريح من صندوق لم يساهم فيه بفلس واحد، وتَلطخ حزبه بشتى أنواع وأشكال الريع والاغتناء الفاحش، مُطَلِّقين طلاقا بائناً مبادئ وصور لهم وهم يجلسون على الأرصفة ويأكلون “البيصارة”، ما هي إلا سنوات حتى اتضحت أنها مجرد وجه لعملة سقطت لتستقر على وجهها الأصلي، وهم يظهرون في صور يجلسون على الأرائك في الصالونات المكيفة، متنقلين على السيارات الفارهة ومنهم من استبدل الزوجة بأخرى.
أما وإن كانت المقارنة بين الرجلين، من أوجه النضال والمبادئ وماء الوجه، فلا نرى لهذه الأمور من صلة قريبة أو بعيدة قد تجمتمع في الثاني.
إذا كان الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي قد قاد حكومة في أصعب فترات المغرب، وفي عز زمن انتقالي، رغم الهفوات فإنه جنَّب المغرب السكتة القلبية آنداك، دون أن يدس يده في جيوب الضعفاء، ولا أن يتنصل من مبادئه أمام مغريات التعويضات والامتيازات، بل ما إن عَلِم أن القافلة التي يتولى قيادتها تسير في طريق محفوف بما يناقض مبادئه، دون أن تكون له سلطة الربان كاملة في القيادة، خرج من قمرة القيادة كما دخلها تاركاً الجمل وما حمل. ربما بحث له عن أقرب منبع مائي ليغسل يديه سبع مرات احداهُنَّ بالتراب، فوجدهما نقيتين شريفتين أبعد عن الشبهات.
حَاظَرَ بأحد المدن البلجيكية منتقذا تجربة كان مهندسها، بنقد ذاتي راقي. اعتزل السياسة ومشتقاتها، وتفرغ لتأليف مذكراته ومذكرات مرحلته، “أحاديث في ما جرى”، لم يكن بعيد عن ثقافة القراءة والكتابة حتى في أردل عمره، وكأنه ملأ بياض الورقة بما أراد من حبر وترك بعض الفراغات لآخرين، وربما لم يبق من الآخرين سوى المناضل الكبير محمد بن سعيد ايت ايدر. الاستاذ اليوسفي لم يجني من حكمه قصورا ولا فيلات ولا سيارات فارهة، ولا حتى تقاعد يعينه عن نوائب الزمن ودوائره. بل حتى أحاديثه ظلت بأسلوب ثقافي راقي وفريد، مترفع أيَّما ترفع عن لغة زنقوية، أصبح يعج بها قاموس السياسة، وتخرج بسلاسة في تعابير السادة ممتهنو السياسة في زمننا الحالي. أما الثاني فمساره السياسي يعج بالسواقط والنواقص، الاستمرار في عدها وتدوينها مجتمعة في مقال تضم عباراته بعض النبدات عن مسار الأستاذ اليوسفي، هي تدنيس لمسار مناضل من درجة رجل دولة حَظِيَ باحترام الخصوم قبل الرفاق، بل هي جريمة لا تغتفر.
وإن كانت المقارنة من باب الإنتاج الثقافي والتأليف فلا نرى للثاني المقارَن به موطئ قلم. ما عدى خرجات مباشرة على الفيسبوك، يلتف حولها مريدوه، من الفيسبوكيين الذين يُصَلُّون على قبلة حزبه.
لكل هذا وقبل هذا وبعده، لا نرى في هذه المقارنة إلا ضرب من الجنون، فالأنسب انسجاماً مع الصواب سَحْبها، ليضل الأستاذ اليوسفي أحدُ الأَحَدَيْنِ، أما وإن كان يرى أهل المقارنة وعشيرتهم في مقارنة مسار الرجل ضرورة لا بد منها، فلا بأس في ذلك، لكن أن تكون مقارنة بمناضلين أصحاب مبادئ ومسارات، ولعل بنسعيد آيت ايدر أطال الله عمره نمودجاً لمقارنة ممكن أن تكون سليمة.
قم بكتابة اول تعليق