بقلم – عبد الرزاق بن شريح ( خبير تربوي)
من نافلة القول إن إشكالية إصلاح التربية والتكوين بكل بلدان العالم أعقَدَ إشكالية، ولا توجد أي دولة لا تشتغل على التجديد والإصلاح باستمرار، ذلك لأسباب عديدة من أهمها كون التربية والتكوين ركيزة بناء المجتمع وبالتالي فهي الموجه الرئيس للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها من العلاقات المجتمعية، والمنظومة التربوية المغربية لا تخرج عن سياق الإصلاح والتحديث المستمرين. لكن السؤال المركزي هو إلى أي حد استطاع المغرب إصلاح منظومته التربوية في ظل خططه وبرامجه الإصلاحية العديدة؟ وما هي الأسباب الحقيقية لفشل هذ الخطط؟
بالنسبة للسؤال الأول، لم يعد هناك أي اختلاف بين كل المهتمين والفاعلين التربويين والمسؤولين على أعلى مستوى أن المنظومة التربوية المغربية في أدنى مستوياتها، فكل تقارير المؤسسات الدولية والوطنية تقر بأزمة التربية والتكوين بالمغرب، وبالتالي لا خلاف يذكر في هذا الشأن.
وبالنسبة للسؤال الثاني، فمن المعلوم أن المغرب عمل على وضع خطط وبرامج إصلاحية عديدة تجاوزت 12 محاولة، ولم ينجح في أي واحدة منها؛ بل وصلت الأزمة في السنوات الأخيرة إلى أدنى المستويات؛ وواقعَ المنظومة يزدادُ سوءًا سنة بعد أخرى. وبالرجوع إلى الوثائق الرسمية لهذه المحاولات نجدها تركز على الأسباب ولم تشر للمسببات، حيث ركزت على الآتي:
• البنية التحتية غير ملائمة؛
• مسألة لغات التدريس، وتدريس اللغات؛
• أجور المعلمين والأساتذة غير كافية لتحفيزهم على العطاء؛
• غياب التكوين الأساسي والمستمر المناسبين؛
• عدم توفر داخليات كافية تستقبل الوافدين من المتعلمين؛
• عدم استمراريةٍ برامج عمل الوزراء المشرفين على قطاع التربية والتكوين؛
• غياب الحكامة الجيدة؛
• إعادة النظر في العدة البيداغوجية لتكوين خريجي مراكز التعليم؛
• عدم وعي الآباء بضرورة التعليم من أجل مستقبل مريح لأبنائهم.
إن كل هذه الأسباب تبقى نتائج لمسببات أساسية لايمكن تحقيق أي تطور أو تقدم دون إصلاحها، فالمشكل الكبير هو عدم وضوح المشروع المجتمعي المغربي، أو بصيغة أخرى عدم التفكير في مشروع مجتمعي أساسه التربية، ولايمكن الحديث عن مشروع مجتمعي بمعزل عن إصلاح السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فالإصلاح السياسي ينعكس إيجابا على باقي السياسات القطاعية الأخرى والتي بدورها تؤثر في قطاع التربية والتكوين، ولن يتأتى ذلك إلا بممارسة الحكامة الجيدة في تدبير المنظومة التربوية، عبر ربط المسؤولية بالمحاسبة، وبذلك فالسياسة تؤطر باقي القطاعات وخاصة تدبير الشأن العام الذي من ضمنه المنظومة التربوية.
على سبيل الختم
أزمة المنظومة التربوية المغربية أزمة سياسية بالدرجة الأولى، وبالتالي فالدولة مسؤولة عن تعبئة المجتمع للنهوض بالمدرسة، وهي قادرة على ذلك، حيث عبأت لما أرادت التعبئة، فمدخل الإصلاح مدخل سياسي، ومدخل إصلاح المجتمع مدخل تربوي، ومن هنا التأثير المتبادل بين التربية والسياسة.
قم بكتابة اول تعليق