نظمت فيدرالية جمعيات الاحياء السكنية بمدينة الجديدة يوم 15 دجنبر2019 بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مائدة مستديرة تحت عنوان: “هل نعيش بمدينتنا في بيئة سليمة وبصحة جيدة؟ ” وقد اطر هذه الندوة مجموعة من الاساتذة والباحثين وحضرها عشرات من المهتمين والمهتمات ومناضلي ومناضلات المجتمع المدني.
افتتحت الندوة بكلمة فيدرالية جمعيات الاحياء السكنية التي القاها عضو المكتب السيد حميد بوترخى رحب خلالها بالحاضرين، مذكرا ان الندوة تأتي في اطار الاعداد لتحيين الملف الترافعي لفيدرالية جمعيات الاحياء السكنية وهي كذلك مساهمة من المجتمع المدني في عملية التحسيس ولفت انتباه للمواطنين والمنتخبين والساسة والمؤسسات الاقتصادية والصناعية من الخطر الذي يشكله الاضرار بالبيئة ومن جهة اخرى املتها ظروف ظهور مجموعة من المعطيات والمؤشرات بالمدينة ومحيطها يراها المواطن بالعين المجردة ويتلمسها بحواسه ويتداولها الرأي العام الجديدي تهم صحته والبيئة التي يعيش فيها وهو ما يتطلب ممن يهمهم الامر تقول كلمة الفيدرالية ضرورة طمأنة المواطنين على صحتهم وعلى جودة الحياة بمدينتهم وتقديم التوضيحات الضرورية لساكنة الجديدة
بعد ذلك تناول الكلمة السيد بوشعيب حرشي الذي قدم عرضا مفصلا ومطولا اعطى من خلاله صورة عن الوضع البيئي والصحي بالمدينة واشار في البداية الى التطور الحاصل في الموجود من الحدائق والفضاءات الخضراء منوها بالمجهودات المبذولة منذ سنتين في هذا المجال بعد اعادة هيكلة حديقة بارك سبيني وحدائق محمد الخامس وعبد الكريم الخطابي والحديقتين المجاورتين للحي البرتغالي والاخرى القريبة من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين وغيرها من الفضاءات الخضراء ومدارات تقاطع الطرق ، منبها لضرورة تتبع اشغال الصيانة عن كثب وحث الشركة المسؤولة عن الحدائق على تحسين جودة اشغالها معطيا مثالا سلبيا عن صباغة الحديات للفضاء الموجود امام اقامة سوبريجا التي تلاشت وذبلت ولم يمر عليها الا بضعة اسابيع. كما اشار المتدخل لوضعية الحدائق والاغراس بحي المطار التي صرفت عليها ملايين الدراهم وتعيش الان وضعية كارثية نتيجة الاهمال وغياب الصيانة وهو اهدار فج للمال العام . العرض تطرق ايضا لجملة من مظاهر التلوث الاخرى كالتلوث البصري والالكتروني حيث ما زالت مشاهد سلبية تلاحظ بالمدينة كتجول الحيوانات والعربات المجرورة بالحمير والبغال في الشوارع والطرقات والنزاعات بين سكان الاحياء وشركات الاتصالات التي تزرع لاقطاتها اللاسلكية بدون توافق مع سكان الاحياء وممثليهم في جمعيات المجتمع المدني وغيرها من المظاهر التي تسيئ لجمالية المدينة والذوق العام بها كتراكم النفايات ووجود الكثير من النقط السوداء، وهو ما يضع مسؤولية المجلس البلدي وشركة النظافة موضع سؤال .
هذه المواضيع لم تكن الا مقدمة للتطرق للموضوع البيئي الاهم وهو التلوث الناتج عن الانشطة الصناعية بالجرف الاصفر والحي الصناعي حيث رغم التطمينات التي تقول بها هذه المؤسسات فان كل المؤشرات وما يلمسه المواطن بحواسه تدل على ان محيطنا البيئي غير سليم مائة بالمائة نفس الشيء عن وضعية المطرح الجديد الذي اصبح بؤرة سوداء تستوجب الاسراع بإيجاد حل لوضعيته حيث اصبح وجوده بذلك المكان يضايق السكان بالروائح الكريهة الاتية منه نظرا لغياب معالجة الكميات الهائلة من الليكسيفيا ويشكل خطرا دائما على صحة هؤلاء السكان وبيئة المدينة .
وبعد الحديث عن الوضع البيئي انتقل المتدخل الى الوضع الصحي بالمدينة الذي يعيش مشاكل لا حصر لها فالمراكز الصحية تحتضر من جراء غياب الاهتمام ونقص في الصيانة والتجهيزات وعدم كفاية العنصر البشري امام الضغط الكبير على هذه المراكز التي صدمت الصور المعروضة لواقع هذه المراكز الجمهور الحاضر ، وفي نفس الموضوع تحدث المتدخل عن وضعية المستشفى الاقليمي حيث كان مثار عدة حوادث وعدة احتجاجات ومشاكل من بين احد اسبابها المتعددة ظروف استقبال المرضى سواء بالباب الخارجي للمستشفى حيث تسند هذه المهمة لحراس الأمن الخاص حيث تفرض الرشاوي والمساومات على المرضى وذويهم . كما ان المستعجلات تعاني من سوء البرمجة ونقص في حصيص الاطقم الطبية مما يولد المشادات مع المواطنين التي تصل لدرجة العنف أحيانا هذا دون الحديث عن تدني مستوى الخدمات التي يقدمها هذا المستشفى على جميع الاصعدة
المداخلة الثانية كانت للباحث في السوسيولوجيا المهدي بسطيلي من جامعة ابن طفيل بالقنيطرة تحت عنوان
“سوسيولوجيا البيئة والتنمية مدخل إيكولوجي ” ومن موقعه الاكاديمي قدم مداخلة قيمة تابعها الحضور باهتمام بالغ مشيرا في البداية الى ان الموضوع المطروح متشعب الروابط ويحتاج لجلسات عديدة من النقاش لمحاولة ملامسته من كل الجوانب، واقتصر من خلال الورقة التي قدمها أن يوجه الدعوة للتفكير في الأشكال الثقافية و القيمية التي تؤطرنا كأفراد داخل المجتمع، وذلك يقول الاستاذ البسطيلي كفيل للتفسير والتأويل لإمكانيات فهم علاقتنا مع البيئة ليس كمعطى مادي وإنما كمجال اجتماعي نعبر فيه ثقافيا ، موجها الدعوة لترسيخ ثقافة الحفاظ على البيئة وتربية نظامية مستمرة للأفراد في أهميتها، ذلك أن التعديلات التي تروم معالجة ماهو شكلي لاتبدو حسب المتدخل ذات فاعلية مطلقة، داعيا ايضا لضرورة قراءة التشريعات القانونية المرتبطة بالبيئة على نحو يستجيب له المجتمع واعتبار التشريعات القانونية بناءات اجتماعية كما سلط الضوء في الاخير على العلاقة بين الثقافة و المجال كمدخل ممكن للفهم.
المداخلة الثالثة قدمها الاستاذ عبد العزيز الماحي وهي قراءة في تقرير منظمة سويس ايد السويسرية معنون ب” بالأسمدة الخطيرة والمتعاملون السويسريون وخرق حقوق الإنسان بالمغرب” وهو تقرير هدفه التحسيس والتحدير من التعامل مع الشركات التي يشتبه في أنها تخرق بعض الحقوق ،كالحقوق الأقتصادية والاجتماعية للعمال أو الحق في البيئة ومحيط سليم.
المداخلة الرابعة قام بها الاستاذ عبد الوهاب خنوس باحث بمختبر اعادة تشكيل المجال والتنمية المستدامة بكلية الآداب والعلوم الانسانية بالجديدة تحت عنوان «دور نظم المعلومات الجغرافية في دراسة الوضع البيئي والصحي بمدينة الجديدة « مشيرا الى ان موضوع البيئة والصحة ذا اهمية بالغة من حيث راهنتيه، في ظل ما تعيشه مدينة الجديدة من مشاكل بيئية ونقص كبير في الخدمات الصحية خاصة فيما يخص الولوجية، بسبب غياب تخطيط أفقي يشمل كل مكونات المجال الحضري وعدم اعمال المنهاج العلمي في التخطيط والاستفادة من نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد، لتحديد حاجيات المدينة، وتوزيع خدماتها بشكل يغطي كل أحياء المدينة.
ومن خلال دراسة اقيمت بمدينة الجديدة خلص البحث الى عدة معطيات تهم تطور المجال المبني الذي انتقل من 3.41 هكتار اثناء الاستعمار البرتغالي الى 544.25 مبينا على خريطة مراحل تطور المجال الحضري بين الفترتين .واعتمادا على تقنيات نظم المعلومات الجغرافية في تخطيط المدينة عرض الاستاذ عبد الوهاب عدة خرائط وبيانات تهم توزيع كميات النفايات حسب احواض التجميع والنقط السوداء بالمدينة .
بالنسبة للمساحات الخضراء اشار العرض الى انها لا تشكل بالجديدة الا 0.53 في المائة من مجموع مساحة المجال الحضري مبينا ان نصيب الفرد الواحد اثناء فترة الاستعمار من هذه المساحات كان 4.16 متر لتنخفض هذه النسبة حاليا الى 1.09 متر مربعا للفرد الواحد وهو رقم بعيد كل البعد عن معدل 10 امتار التي توصي بها منظمة الصحة العالمية وهو راجع الى عدم اهتمام السلطات المحلية والمنتخبين الذين لا يحترمون تصاميم التهيئة في مجال الفضاءات الخضراء حيث ان ما هو موجود بالمدينة لحد الان يعادل 21 هكتار من المساحات الخضراء، بينما المقرر في تصاميم التهيئة هو 550 هكتار لم تنجز رغم انها مقررة في هذا المخطط الذي يؤطرتقنيا وقانونيا توسع المدينة وهيكلتها بما في ذلك الشريط الاخضر للجديدة الذي لا زال رسما على ورق .
بنفس الطريقة واعتمادا على نفس الالية قدم الباحث عرضا دقيقا بالبيانات عن الوضع الصحي بالمدينة الذي يعرف ضعفا كبيرا على مستوى ما يقدمه من خدمات، حيث نجد أن طبيب واحد لكل 7797 نسمة، بينما منظمة الصحة العالمية تحدد 4 أطباء لكل 1000 نسمة، أما من حيث الوحدات الصحية نجد 24000 نسمة لكل وحدة صحية. وهو امر مقلق خصوصا مع زيادة التصنيع بالمجال . كما يلاحظ من خلال الخرائط التي عرضت اختلال في توطين المراكز الصحية بالمدينة ومناطق نفوذها حيث لا يتلاءم توزيع هذه المراكز مع الكثافة السكانية للأحياء . هذا الوضع الصحي يجري تعويضه باللجوء الى القطاع الخاص الذي تغزو خدماته المناطق القريبة من وسط المدينة . ليخلص العرض في الاخير ان تخطيط المدينة يحتاج اليوم الى تضافر كل مكوناتها ، مع اعطاء اهمية للدور الذي تعلبه التقنيات الجديدة اليوم في للتمكن من تجاوز عدد من المشاكل.
مداخلة الاستاذ المحام عبد الرحيم العروي من هيأة الجديدة بعنوان “المسؤولية الجنائية في جرائم البيئة” كانت هي اخر المداخلات تطرق فيها الى القوانين المرتبطة بهذه القضية وكذا المساطر المتبعة ومسؤولية الاطراف والمتدخلين
بعد استنفاذ المداخلات المقررة التي استمرت لأكثر من 3 ساعات فتح باب النقاش الذي كان مثمرا ومكملا لتدخلات السادة الاساتذة ومن المواضيع التي اثارت بعض الحاضرين ما جاء في القراءة التي تقدم بها الاستاذ الماحي عبد العزيز في تقرير منظمة سويس ايد الذي اعتبره احد المتدخلين غير دقيق ومعطياته متجاوزة نظرا لما تقوم به المؤسسة التي يعنيها التقرير من مجهودات لحفض البيئة والسلامة .ومن الملاحظات التي طرحت ان هذه المؤسسة اعطت الكثير لمدن اخرى تزاول فيها انشطتها كمدينة بنكرير مثلا ،هذه المؤسسة مطالبة بالتالي ببذل اضعاف هذا المجهود بمدينة الجديدة التي توجد بها صناعة تحويلة لها اثارها على البيئة عكس تلك المدن التي نالت الحض الوافر من الثروة الفوسفاطية .
ومن خلال مجريات هذه الندوة التي ادارها رئيس فيدرالية جمعيات الاحياء السكنية يمكن استخلاص اهم التوصيات والمقترحات التالية
على المستوى البيئي
ضرورة انجاز المنتزه الاقليمي على المطرح القديم وتنفيذ ما هو مسطر في مخطط التهيئة من مجالات خضراء خصوصا الشريط الاخضر لمدينة الجديدة وان تتحمل المؤسسات الملوثة مسؤوليتها في جبر الضرر الجماعي بتمويل انجاز هذين المشروعين
إقامة مرصد محلي مستقل يقوم بقياس التلوث بالإقليم و ومدى تأثيره على المحيط بالاعتماد على مختبرات محايدة وبعيدة عن أية شبهات. وتعبئة جميع الفعاليات والطاقات العلمية والكفاءات لدراسة آثار التلوث بالمدينة خصوصا مع تعدد مصادرها المكب أو المطرح الجديد ( الليكسيفيا) الحي الصناعي، الجرف الأصفر..
ضرورة مساهمة الصناعيين والمعامل بالإقليم في محاربة ومحو آثار التلوث عن طريق التشجير وخلق مناطق خضراء ومنتزهات داخل وحول المدن
القيام بحملات للتشجير وتعويض ما تم اجتثاثه بغابة الحوزية نظرا للدور ميكرومناخي و الإيكولوجي الذي تلعبه ولكونها رئة تزود المنطقة بالأوكسيجين
الانتباه لبعض الظواهر البيئية مثل زحف الرمال بالشواطئ والتعرية الشاطئية وانهيارات الأجراف والذي تزداد خطورتهما مع ارتفاع مستوى مياه المحيطات
التوسع العمراني ومخاطره على المحيط البيئي بصفة عامة وعلى بعض الكائنات مثل الطيور البحرية النورس التي تكاثرت بشكل غير مسبوق بالمدينة والنحل وغيرهم مع اضطراب دورتهم الطبيعية والخلل الذي أصابها
الانفتاح على جميع الفعاليات محليا وطنيا ودوليا إن أمكن للإسهام في الرفع من مستوى في تحسين معايير احترام البيئة والرفع من جودتها بالنسبة للصناعات الوطنية ودون أن ننسى دور الحيوي للصحافة والإعلام في هذا الميدان.
الاستمرار في صيانة والاعتناء بالحدائق والفضاءات الخضراء
اعادة النظر في خدمة النظافة ومراجعة الصفقة الحالية لا من حيث شروط التنفيذ او مبلغ الصفقة مع اشراك المجتمع المدني في بلورتها مع ضرورة حل مشكل الروائح الكريهة المنبعثة من المطرح ودراسة ابعاده عن المدينة التي اصبحت على مشارفه
على المستوى الصحي
ضرورة وضع نظام معلوماتي يربط بين جميع المراكز الصحية لمتابعة منح الادوية للأمراض المزمنة ووسائل منع الحمل ووضع نضام مراقبة لحصر الاستفادة من هذه الادوية لحاملي بطاقة راميد واللذين لا يتوفرون على تغطية صحية من الفئات المعوزة
تقديم مشاريع من اجل صيانة وتجهيز المراكز الصحية التي توجد في حالة يرثى لها وعلى المؤسسات الصناعية الملوثة تأدية جزء من فاتورة تلويثها للمدينة ومحيطها ومساهمتها في انتشار مجموعة من الامراض
توزيع برنامج الخدمات بالمراكز الصحية على ساعات اليوم كله عوض التركيز على الفترة الصباحية خصوصا بالنسبة للخدمات الغير استعجالية (التلقيح – توزيع الاجدوية….الخ)
الترافع عند الوزارة وحثها على الرفع من حصيص الاطقم الطبية وفي انتظار ذلك يجب تدبير الموجود وتوزيعه بطريقة عقلانية بين المراكز الصحية والتدخل لدى المجلس البلدي لتحمل جزء من عبئ الموارد البشرية بتوظيفها ووضعها رهن اشارة المديرية
العمل على ابقاء الوعاء العقاري لمستشفى محمد الخامس القديم في ملكية وزارة الصحة واقتراح مشاريع لتحويله الى مركب للصحة العقلية واجنحة مختلفة لأنشطة صحية واجتماعية موازية
بالنسبة للمستشفى الاقليمي الجديد :اعادة النظر في ظروف الاستقبال وأدوار حراس الامن ووضع حكامة جيدة لتدبير الموارد المتوفرة وهو ما يقتضي اعادة هيكلة جديدة والقضاء على الرتابة والفوضى داخل المستشفى والترافع مع الوزارة وكل المتدخلين بالمدينة والاقليم من اجل حل مشاكل هذا المستشفى الذي يعتبر ايقونة عمرانية لكن مضمونه بعيد كل البعد عن تحقيق الاهداف التي بني من اجلها
بالنسبة للقطاع الخاص ضرورة التطبيق الحرفي للقانون الاطار 09-34 المتعلق بالمنظومة الصحية وعرض العلاج والقانون رقم 4.1.4 . المتعلق بمزاولة مهنة الطب . مع مراجعة اثمنة الاستشارات الطبية والفحوصات والاستشفاء والعمليات بالعيادات الخاصة مبالغ فيها .والاعتناء باستقبال المرضى وتحديد عدد الاستشارات اليومية لكل طبيب ووضع حد ادنى للوقت المخصص لفحص المريض
قم بكتابة اول تعليق