” 15 سنة بعد إصدار مدونة الأسرة: أي احترام لمبدأي المساواة، وعدم التمييز” محور ندوة لفدرالية رابطة حقوق النساء بمراكش

نظمت فدرالية رابطة حقوق النساء صبيحة يوم السبت 20 أبريل 2019 بمراكش ندوة حول موضوع “15 سنةبعد إصدار مدونة الأسرة: أي احترام لمبدأي المساواة،وعدم التمييز”.

انطلقت أشغال الندوة بكلمة للأستاذة سناء زعيمي عن المكتب الجهوي للفدرالية أكدت فيها على أهمية تنظيم هذه الندوة التي تأتي بعد مرور ثمانية سنوات عن دستور 2011، وأربعة وعشرون سنة على اعتماد إعلان ومنهاج عمل بيجين (1995)، وخمسة عشرة سنة عن إصلاح مدونة الأسرة .

وقدمت الدكتورة فريدة بناني، أستاذة التعليم العاليبكلية الحقوق بمراكش، وخبيرة لدى عدد من المنظماتالدولية والإقليمية، مداخلة تمحورت حول موضوع: “ملاءمة قانون الأسرة والاتفاقيات الدولية: أي مقاربةومرجعية”، أكدت فيها أن موضوع المداخلة من وحيالحدث وهو اعادة فتح ورش مدونة الأسرة بعد 15 سنةمن صدورها، كما أنها وقفت على تنوع المصطلحاتالمستعملة من طرف المنظمات النسائية، ومنها”التحيين،الاصلاح، المراجعة، التعديل، التقويم، التغيير الشامل”،بهدف تحقيق المساواة والملاءمة مع الدستور، ومعالاتفاقيات الدولية ذات الصلة. وأكدت على أهمية تدقيقالمصطلحات قبل انطلاق أي عملية ترافع، لأن تحقيقالأهداف المتوخاة رهينة بتحديد المنطلقات.

وأضافت الدكتورة فريدة بناني  إن “الملاءمة تعتبر شقامن مشمولات السياسات الحقوقية، وهو الشق القانونيالمرتبط بتكييف التشريع الوطني مع الترسانة القانونيةالعالمية المعنية بثقافة حقوق الإنسان”. وزادت قائلة إن”الدولة هي التي انضمت إلى الاتفاقيات الدولية، ولذلكيجب الوفاء بمضمونها الذي يوجد ضمن الاجتهاداتالفقهية، ومن هذا المنطلق فإن الدولة مسؤولة من الناحيةالقانونية عن الوفاء بشكل تام بمقتضيات هذهالاتفاقيات، ولا يمكنها أن تتذرع أو تبرر تقصيرها فيتطبيقها وتنفيذها بحجة تناقضها مع القانون الوطني”،لأن الأمر يتطلب، “التسلح بإرادة أخلاقية مسؤولة إذاكنا نبحث عن التغيير الجذري، والإيمان الراسخ بالتمييزبين الإسلام كدين للدولة وكهوية ورفع القداسة عن ذلك،لأن مجال المقارعة هو الفقه الإسلامي، الذي لم تعداجتهادات السابقين ملائمة لزمن اليوم، مما يعني أنتعديلات سنة 2004 يجب أن تذهب إلى عمق هذهالقضية”.

وقدم الدكتور عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص) مداخلةحول موضوع “زواج المسلمة بغير مسلم بين الفقهوالقانون” قال فيها “إن هناك اتفاق جمعي ورأي فقهيحاسم في مسألة تحريم زواج المسلمة من غير المسلم،علما أنه لا يوجد نص قطعي للإستناد إليه في تحريمهذا الزواج، إنما المُعْتمَد هو إجماع الفقهاء على هذاالرأي. 

وأضاف أن الفقهاء استندوا في تحريمهم لزواج المسلمةمن غير المسلم على الآية الكريمة «ولا تُنْكِحوا المُشْرِكينحتى يُؤْمِنوا ولَعَبْدٌ مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم..»،مفندا إدعاءاتهم بالقول إن نفس الآية تنهى المؤمنين عنالزواج بغير المسلمات « و لاتُنْكِحُوا الُمشْرِكات حتىيُؤْمِن و لَأَمَة مؤمنة خير من مشركة.. »، و من ثم كانينبغي تحريم زواج المسلم كذلك من غير المسلمة إذاأردنا الإستدلال على الآيتين الكريمتين.  

و أوضح رفيقي أن الفقهاء يتشبثون بهذا الإستدلالالفقهي رغم ضعفه لسبب واحد ووحيد وهو منطقالإستعلاء الديني، أي أن المسلم أفضل من غيره، كماأنه يخرق مبدأ المساواة، بحيث يعتبر أن الرجل المسلمبإمكانه أن يتزوج من غير المسلمة، في حين أن هذهالأخيرة لا حق لها في الزواج من غير المسلم، مستندامن جديد على مبدأ القِوامة الذي يعتبر بأن الرجل لهسلطان وولاية على زوجته، كما يعتبر بأن المشرك لاينبغي أن يكون له ولاية على زوجته المسلمة.  

و أشار أبو حفص إلى أن 5 ملايين مغربي يعيشون فيبلاد المهجر من بينهم 85 في المائة يوجدون في أوروبا،و46 في المائة منهم نساء،ومن ثم فالزواج المختلطأصبح يفرض نفسه بقوة، مما يستلزم إيجاد صيغقانونية لتسهيله، بدل أن تلجأ بعض النساء لأن تطلبنمن أجانب إشهار إسلامهم ولو بشكل كاذب حتى يتمالزواج.

وأكد رفيقي على ضرورة “التمييز بين الأصول العامةالتي يجب أن تكون مرجعا موجها، والأصول الجزئيةالتي لا يجب أن تتعارض مع القواعد المرجعية لتحقيقالمنفعة والمصلحة”، مشيرا إلى أن “العلاقة التي يجب أنتحكم النص والواقع هي أن يخضع الأول الذي يتسمبالمرونة، للثاني الذي يتميز بالتغيير والتحول الاجتماعيوالاقتصادي والسياسي والبيئي”. وقال إن “مجتهداليوم يفترض فيه أن يكون متمكنا من فقه الدين وفقهالواقع، وملما بالعلوم الإنسانية كعلم الاجتماع وعلمالنفس وغيرهما، لأننا ما زلنا نعاني من معضلة عقليةفقهية تعطي الأولوية للنص على الواقع، مما يشوهصورة الإسلام، الذي عرف بمذاهب متعددة اجتهدت،واحترم كل تصور الآخر”، مذكرا بأن “لكل مجتهدنصيب من الأجر”.

وأضاف أن “العديد من القضايا تحتاج إلى تسليطالضوء عليها، من خلال تفكير سليم لأنها تشكل معضلةلمن يعاني منها، كقضايا الإرث وزواج القاصراتوالأطفال خارج العلاقة الزوجية وزواج المسلمة من غيرالمسلم، التي تحتاج إلى إعادة النظر، بما لا يخرج عنالهوية العامة للدولة التي يحددها الدستور، وما يتوافقمع هذه المتغيرات التي يفرضها الواقع والإكراهات التينعيشها يوما بعد يوم”.

وقدم الدكتور أنس سعدون، عضو نادي قضاة المغرب،مداخلة تمحورت حول موضوع: “تزويج القاصرات نطاقوحدود الحماية في ضوء العمل القضائي” انطلق فيهامن رقم عالمي مقلق يشير إلى أنه في “كل يوم تتزوجأكثر من 41 ألف بنت قبل بلوغ الثامنة عشرة منالعمر”. وقال إن التقرير الجديد الصادر عن البنكالدولي خلص إلى أن الفقر، وعدم المساواة بينالجنسين، وضعف إمكانية الحصول على التعليم،وخدمات الصحة الجنسية والإنجابية التي تراعيمصالح الشباب، ونقص فرص العمل اللائقة، تساهم فيتنامي ظاهرة زواج القاصرات والإنجاب في سن مُبكِّرة.

وأوضح الدكتور أنس سعدون أن “زواج القاصرات فيالمغرب مقيد بإجراءات تقوم أساسا على إخضاعه للرقابةالقضائية، التي يمارسها قاضي الأسرة المكلف بالزواج،الذي يقوم بإجراء بحث يستمع فيه إلى القاصر وأبويهاللتأكد من وجود مصلحة لها في هذا الزواج، وللقاضيعلى سبيل الخيار إجراء خبرة طبية أو بحث اجتماعيللتأكد من قدرة القاصر على الزواج، وبناء على ذلكيصدر قراره الذي لا يقبل أي طعن”.

وتابع القاضي سعدون مستدركا “لكن المادة 20 تبرزهشاشة الضمانات القانونية المفروضة على زواجالقاصرات، لأن النص لا يتحدث مطلقا عن الخاطب وهوالطرف الراغب في الارتباط بالشخص القاصر،  علمابأنه طرف رئيسي  في هذه العلاقة ينبغي أن يكونمشمولا بالاجراءات التي تتم في اطار مسطرة تزويجالقاصر. مؤكدا أن الثغرات التي كشف عنها التطبيقالعملي لمدونة الأسرة جعلت القضاء يطور اجتهاداتمبدئية لاقرار حماية أكبر للفتيات القاصرات، من قبيلفرض الاختصاص المكاني، لمواجهة ظاهرة التحايل علىالقانون، وتمديد نطاق البحث ليشمل الخاطب أيضا، عنطريق تكليفه بالادلاء ببعض الوثائق التي تؤكد احتراممصلحة الفتاة، من قبيل السجل العدلي، وما يفيد أنهيتوفر على سكن مستقل، وعلى عمل، فضلا عن مراقبةظروفه الاجتماعية، وفارق السن.

معتبرا أن تشدد القضاء في تطبيق هذه المقتضيات قديؤدي الى احجام الأسر عن اللجوء الى المسطرةالقضائية، والاكتفاء بتزويج الفتيات القاصرات بالفاتحة.

في نفس السياق أشار الدكتور أنس سعدون لأهميةالدورية التي أصدرها رئيس النيابة العامة والذي طالبمن خلالها قضاة النيابة العامة بالتدخل الايجابي فيمساطر زواج القاصرات عن طريق اثارة ملتمساتاجراء خبرة طبية، واثارة الدفع بعدم الاختصاص وعدمالتردد في التماس رفض الطلب كلما كانت مصلحةالقاصر غير مؤكدة في هذا الزواج، مشيرا الى أن هذاالتدخل الايجابي لمؤسسة النيابة العامة يصطدمبمحدودية دورها في النص القانوني والذي لا يخولهاحق الطعن في مقرر الاذن بتزويج القاصر.

وتجدر الاشارة الى أن أشغال الندوة تميزت بحضورقضاة ومحامين وأساتذة جامعيين وباحثين وفعالياتواسعة من المجتمع المدني، وقد تركزت المناقشات حولسؤال المرجعية في الاصلاح المرتقب لمدونة الأسرة،ونطاق هذا الاصلاح حيث ركزت غالبية التدخلات علىضرورة التغيير الجذري الذي يأخذ بعين الاعتبارالتحولات التي عرفها مغرب دستور 2011، خاصة فيالشق المتعلق بالموقف المتقدم من اعمال الاتفاقياتالدولية وسموها على التشريع الداخلي.

وقد توج هذا النشاط العلمي بتكريم شخصيتين، هماأيقونة الجامعة المغربية الدكتورة فريدة بناني والمناضلةالحقوقية والنسائية مليكة بن حريمة، اعترافا بما قدمتاهمن خدمات ونضالات من أجل تحرير المرأة، والدفاع عنحقوقها.

قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


+ 20 = 30