الثورة الصناعية الرابعة ورهانات المغرب الذكي

بقلم – د . نجيب الصومعي

يعيش العالم تحولات تكنولوجية متقدمة تؤسس لما يصطلح عليه دولياً بالثورة الصناعية الرابعة، هذه المحطة الدولية التي تشكل قطيعة مع ماضي البشرية وتؤسس لمفاهيم اقتصادية واجتماعية جديدة. وكل دول العالم تجد نفسها في سباق لامتلاك التكنولوجيا والمعطيات من أجل تقوية نفوذها الاقتصادي والمالي. فإذا كانت قوة الدول في السابق تقاس بمدى امتلاكها لمصادر الماء والبترول، فإن قوة الدول في المستقبل ستقاس بمدى امتلاكها للتكنولوجيا والمعطيات الكبيرة (BIG DATA)، وهنا يكمن الرهان الأبرز للقرن الواحد والعشرين.
وبلادنا ليست في معزل عن هذا التنافس، لأنها مدعوة لاغتنام هذه الفرصة التاريخية من أجل ولوج فضاء الدول الصاعد، وذلك من خلال العمل على جعل “ثورة الذكاء الاصطناعي” مدخلا لولوج المستقبل والقطع مع التخلف المتكلس (calcifié) في جسد اقتصادها دو الطابع التقليدي. لأن ضياع هذه الفرصة سيجعل بلادنا -من جديد- في ديل كل الترتيبات الدولية والإقليمية.

ثورة صناعية رابعة في قلب توجهات النموذج التنموي:

فتحت بلادنا النقاش حول اعتماد نموذج تنموي، وهذا المعطى يعتبر من أهم المبادرات المغربية، ولا يقل أهمية على ثورة الاستقلال والمسيرة الخضراء وغيرها من الملاحم الوطنية الراسخة. وهنا ينبغي العمل على جعل توجهات الثورة الصناعية الرابعة في قلب توجهات نظامنا التنموي الجديد وذلك من خلال تقوية منظومة التربية والتكوين لجعلها منصة مدرة لكفاءات عالية في مجال التطوير المعلوماتي (coding)، وتأسيس مراكز سيادية للمعطيات (data center) والعمل على خلق مناطق للابتكار واحتضان المبادرات المبتكرة، بجانب العمل على وضع سياسات عمومية محفزة من أجل الظفر بأكبر نصيب من كعكة سوق الذكاء الاصطناعي العالمي.
كما ينبغي العمل على تبني مفاهيم اقتصاد المعرفة (knowledge economy)، من أجل تحفيز مستدام لقدرات الرأسمالية الوطني واستغلال تأخر التصويت على قانون الإطار لملاءمته مع مقتضيات الثورة الصناعية الرابعة، عوض الخوض في النقاش العقيم حول اللغة. وهنا نشير أن هذه الثورة الجديدة قد حسمت لغات المستقبل في لغات التطوير (coding languages) بجانب لغات الاقتصاد العالمي كالانجليزية والصينية.

المغرب الذكي، كاختيار استراتيجي…

لا يختلف اثنين على تخلف النموذج المغربي تقريبا على جميع المستويات، واستوعاب هذه الحقيقة هي الخطوة الأولى لضمان تحول عميق ومستدام. وهنا من الواجب على كل الحكومات العمل على تبني سياسات عمومية تمكن من تعزيز منظومة الذكاء الاصطناعي في الإدارات المغربية وفي الخدمات العمومية المقدمة للمواطنين، كما يجب العمل على تحسين مناخ الأعمال الذكي لكونه مصدرا هاما للثروة، وهنا نذكر بتجارب عديدة عرفت نجاحا مبهرا كشركة كريم بالامارات التي تم بيعها لشركة أوبر ب 3,7 مليار دولار وشركة جوميا بنيجيريا التي حجزت مكانا لها بين كبرى الشركات المدرجة ببورصة نيويورك.
لذلك فمصير الأمة المغربية ورفاهها يوجد في فرصة الثورة الصناعية الرابعة، لذلك يجب على بلادنا تأسيس قطاع حكومي خاص بالذكاء الاصطناعي والعمل على وضع مخطط براغماتي للتحول التكنولوجي على غرار مبادرات التحول الطاقي، والسعي نحو خلق قطب افريقي للابتكار تلعب فيه المختبرات الجامعية دورا محوريا بجانب المقاولات وصناديق تمويل الابتكار، مع المضي قدما في إصلاحات اقتصادية تجعل منظومتنا الاقتصادية أكثر انفتاحا على الابتكار والذكاء الاصطناعي والبلوكتشاين وغيرها من توجهات المستقبل.
ويظل الاستثمار في الشباب سر نجاح ولوج المستقبل ليكون المغرب بلدا ذكيا (smart country) والابتعاد عن التخلف بكل تجلياته.

قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


− 2 = 1