“زواج القاصرات بين الواقع و التشريع”

بقلم – المهدي بسطيلي

“إن الهدف الأساسي الذي تصبو إليه جميع التشريعات الإجرائية القانونية، أن يصيب القاضي في حكمه ووجب عليه أن يتحرى مطابقة حكمه مع منطق الواقع، كما حدثت لاكما يتصورها الخصوم وعليه أن يتبث بالأدلة لإسنادها ماديا ومعنويا”

    في حقيقة الأمر تأتي هذه الورقة في سياق نقاش بسيط مع بعض الزملاء حول مسألة تزويج القاصرات بالمجتمع المغربي، بين حيثيات الاعتقاد في الذهنية المغربية و الثقافة  و الظروف الاجتماعية و الاقتصاديةّ،والأسباب التاريخية لبعض المناطق المغربية أيضا ،وبين نص قانوني يجرم تزويج القاصرات ويكون القاضي باعتباره السبيل لتدبير المسألة واقعيا، بين واقع محكوم بظرفيات معينة وبين نص قانوني واضح في خطابه.

   تكون السلطة التقديرية للقاضي في هذا الباب، مدخلا لفهم المسألة فيكون القاضي أمام إمكانية الاجتهاد عن النص، وتطبيق الإستثناءات التي قد لايعترف بها النص القانوني، بدعوى الظروف الاجتماعية و الاقتصادية التي تحكم القضية، حيث نجد أن قاضي الأسرة المكلف بالزواج يمكن له أن يأذن بزواج الفتاة دون سن الأهلية بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، وذلك ما توضحه المادة (20)’من مدونة الأسرة’ وهذا ما يعني أن هذه المادة بخلاف المادة التي تحدد سن الزواج في ((18 سنة، فتحت الباب لزواج القاصرين ما دون السن القانونية، وهي مخالفة صريحة للدستور الذي نص على سمو الاتفاقيات الدولية وعلى رأسها اتفاقية حقوق الطفل، التي نصت كون مرحلة الطفولة تنتهي بوصول الطفل إلى (18)سنة، و بالتالي هنا يتحول الاستثناء إلى قاعدة من حيث الإجراءات التي تم اعتمادها للإذن بالزواج، وهنا للأسف يصبح النص القانوني انتصارا لعقلية تشريعية عرفية محافظة كان يجب أن تنتصر للطفولة .

  يكون القاضي أمام هم مراعاة الظروف الاجتماعية كما قلنا، ودراسة القضية من أبعاد مختلفة وذلك ما يتطلب دراية بالنظرة النفسية الاجتماعية قبل القانونية، وهو سؤال مطروح اللحظة، فيكون أمام خيارملزم قانونيا باحترام النص القانوني المرتبط بالمواثيق الدولية، وبين استحضار الحدث من الناحية الاجتماعية و الاجرائية 

   في حقيقة الأمر كنت قد طرحت المسألة قبلا على أحد رجال القانون وكيف يتصرف في أمر مماثل فأقحمني أكثر وقال، “حينما يأتيك الأب يريد تزويج ابنته القاصر من رجل عجوز، وتكون الفتاة قاصر فترفض متألما كيف يحدث هذا بنوع من التعاطف مع الحدث، لكن تتفا جئبعد أشهر بنفس الأشخاص وبينهم شخص آخر، طفل رضيع تحمله الفتاة بين يديها مطالبين بثبوت الزوجية،ومن القانون أن يعترف بجريمتهم التي يعتبرونها زواجا عرفيا تضمنه الأعراف و تباركه التقاليد، فماذا أنت فاعل؟فلم يعد أمامك  هم الفتاة فحسب بل هم رضيع آخر ماذا سيكون مصيره؟”

أقنعني في الحقيقة بل أقحمني في منطق تفكير آخر كنت أغفله و هو السؤال الجوهري هل ترك المشرع هذه الثغرات القانونية لمراعاة مثل هذا الحدث؟

   لا يبدو الأمر غريب عنا وكأننا نتحدث عن غير غيرنا،إنه واقع المجتمع المغري، بين كل مناحي الواقع نعاني من إشكالية التنظير و التطبيق، أو التنزيل على أرض الواقع،فتجريم زواج القاصرات جاء في سياق دولي نصت عليه المواثيق الدولية، ووجد المغرب نفسه مضطرا للتوقيع عليها وإدراجها  في القانون الخاص، لكن السؤال هل كانت هناك مواكبة اجتماعية للأفراد ؟

    هل استطاعت الذهنية المغربية فهم هذا القانون وخيوطه الموضوعية؟ وهنا مربط الفرس في الحقيقة، ما فائدة استقدام تغيير معيين دون استنباته ومواكبته لأنه سيتبث فشله وسيلاحقه العجز ويصبح مباركا بروح القانون فقط.

  إننا اليوم أمام خيارين أحلاهما مر، إما أن نكون صارمين من خلال النص القانوني في المسألة، أمام تجريم تام ورفع جذري لهذه الإستثناءات واحترام حقيقيللقانون، ولحقوق الفئات المتضررة و الضرب بيد من حديد على كل محاولات خرق هذا القانون، وذلك في الحقيقة يستدعي مواكبة موضوعية للعقلية المغربية ،وتوعية مستمرة بأهمية هذا القانون وخطورة تزويج القاصرات تفاديا للأثار الاجتماعية و النفسية الوخيمة،وإما خيار عشوائي سيروق لذهنية الكثير، عنوانه العزوف عن النص القانوني وإعلان ظاهر لقيم العرف العشوائية في المسألة، على الأقل حتى نتصالح مع أنفسنا 

   إن المسألة أيضا لها أصل في العلاقة بين رجل القانون ورجل العلم وخاصة الباحث في العلوم الاجتماعية، هذه العلاقة المضطربة التي تحكمها الأبعاد السياسية فرجل القانون يرى في الباحث الاجتماعي متعاليا عن الواقع وفيلسوف المعنى، ولا دور له في المسألة وهو الشيء الخطير لذلك لابد أن نعلم أولا أن المسألة تحتاج للتضامن و الصلاح بين رجل القانون و السوسيولوجي بدرجة أولى، فمن خلالهما يمكن للنص القانوني  أن يتصالح مع الواقع.

قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


86 − = 83