بقلم – حاتم حجي
إن ثقافة الصورة اليوم على قدر كبير من الجاذبية و الإغراء إلى الحد الذي تستعصي فيه على المقاومة النفسية للإنسان العادي، ثقافة لا تحتاج إلى ذكاء خارق لإنجاز نجاح فعال في تكييف وعي ووجدان المستهلك.
و هكذا أضحت المادة الثقافية المعروضة في شكل موجات من الصور تكاد تكون الزاد الثقافي الأساسي الذي يتغذى من وعي المجتمع، بل لا نبالغ إن قلنا أن هذه المادة السمعية البصرية الجديدة هي المادة الثقافية الوحيدة التي يقبل عليها المتلقي و يستهلكها بشراهة فتصنع خياله، و تؤسس وعيه بالعالم و بالأشياء….
ومن الإنصاف القول في هذا السياق إن هذا الجنوح المفرط إلى الانبهار بالمادة الثقافية السمعية البصرية لدى المستهلك له ما يبرره من أسباب داخلية ثقافية و جمالية تخاطب وجدانه و تجيب عن طموحاته و مطالبه الرمزية، أو بالأحرى تواطؤ بعض المدبرين للشأن الثقافي في هذا المجال بدوافع مشبوهة أو مأجورة قصد تدمير البنية الثقافية الوطنية لأهداف محددة! …. و بذلك أضحى هؤلاء المدبرون للشأن الإعلامي يعمدون إلى تكييف جل البرامج المبثوثة وفق الأهداف السالفة الذكر.
ولنا في هذا الباب من النماذج الإعلامية الرسمية أو الخاصة ما يكفي للاستدلال على وجه نظرنا،حيث تكشف الدراسات العلمية الموضوعية على أن البرامج الثقافية أو السياسية الرصينة هي الأقل شعبية و استهلاكا بل و إنتاجا على رصيد التداول، قياسا بتلك التي تكرس معظم بثها للأفلام و المسلسلات الاستهلاكية و البرامج الغنائية و برامج التسلية التي لا تنتج إلا البؤس الفكري و النفسي و غرس قيم الانحراف و اليأس و الاستهلاك السلبي المرتكز على اقتباس نقائص الحضارة الحديثة أكثر من العمل على اكتساب فضائلها عبر ثقافة الصورة و وسائلها و تأثيراتها من خلال صلتها الوطيدة بالإعلام، فالتقليد الأعمى الذي يتوجه إلى الملامح البراقة أسهل و أميل للنفس في السعي الشاق إلى استكناه البواطن حيث نسعى إلى اقتباس أحدث التطورات في شؤون اللباس و الطعام و المسكن و اللهو أكثر مما نتوق بوعي إلى اكتساب مزايا العمل المجدي في الشؤون العامة التي يقوم عليها نهوض الوطن أو في تحصيل الأساليب و المناهج العقلية التي يرتكز إليها هذا النهوض ….
و إذا مضينا إلى تحليل القيم المنقولة إلينا عبر ثقافة الصورة باعتبارها من أبرز العوامل في تكوين الحضارات، و بالتالي تشكل أهم المقاييس في تقدير مكانتها، وجدنا أن بعضا من أهم القيم السائدة في مجتمعنا مستمد من نقائص الحضارة الحديثة، و من أبرز سمات الإنكباب على الاستهلاك المادي الذي يشكل مظهرا بارزا في حين أن أولى حاجات مجتمعنا، العمل و الإنتاج و التقشف الصارم، و تجنب الإهدار الزمني، و البذخ الذي بلغ حد العبث و الفجور….
لنا أن نتساءل اليوم: ألم يحن لنا أن ندرك أهمية الإلمام بالسياقات المحيطة بحياتنا العامة، و ضرورة الوعي بخصوصياتها و بأدواتها و أهدافها كي نتمكن من اكتساب حظ من المؤهلات و الإمكانات المعرفية و العلمية التي تمكننا من خوض غمار هذا التدافع الكاسح عبر العالم دون قيود أو حدود علنا نجد لأنفسنا موضع قدم و تقدير و احترام ؟!.
أشك في ذلك ! ما دام إعلامنا أسير مواقف و نوايا إيديولوجية تدبر شأنه، وتعبر عن نوايا الهدم و التدمير و فرض اختيارات مشبوهة و مأجورة غايتها التحكم في توجيه وعينا الجماعي وفق أجندات داخلية و خارجية معلومة….
يقول المرحوم د.المهدي المنجرة في سياق حديثه عن الإعلام:
و يتضح من كل ما سبق أن الإعلام يشكل عنصرا أساسيا في عملية التغيير، لأن التغيير ليس إلا تحولا ناجما عن إسهام جديد في مجال المعلومات المتوفرة. وهكذا فالإعلام هو السلاح الذي يمكن من حسر رقعة الجهل، و تبرير إعادة طرح معارفنا على بساط البحث….
و خلاصة القول، فإن التخلف قد لا يكون إلا نتيجة العجز عن ابتكار الإعلام المنتج، و خاصة العجز عن معالجته بوجه محكم، و تحديثه و تغييره بانتظام، وتوزيعه بعدالة.
فالإعلام، هو أبعد من أن يمثل مشكلا بسيطا في نظر التقنيين و الخبراء سار يشكل مسألة سياسية هامة، كما أنه سوف يحدد طليعة المحددات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي يقوم عليها كل تصور يتعلق برسم مشروع إقامة أي مجتمع جديد….
فإلى أين يتجه الإعلام ؟ إلى حيث تقوده الإرادة السياسية ….
” انتهى قول المرحوم د.المهدي المنجرة “ص 17 سلسة (شراع) ع 1 “.
قم بكتابة اول تعليق