كوستاريكا بلد الأرقام القياسية في أمريكا اللاتينية

المغرب الآن – دبي

 تعد كوستاريكا من الدول التي تعمل بصمت، وقد يعرفها البعض لجمال شواطئها أو غاباتها، وتميّز نكهة البن الذي تنتجه، لكن عدا ذلك قد لا نعرف الكثير عن هذه الدولة الصغيرة الواقعة في أمريكا الوسطى، والتي أصبحت اليوم نموذجاً يحتذى في تحقيق الاستدامة وحماية البيئة وتمكين الإنسان تعليمياً وصحياً.

لذلك حلت كوستاريكا كدولة ضيف على الدورة السابعة للقمة العالمية للحكومات، لتسليط الضوء على هذه التجربة الناجحة والرائدة والاستفادة منها على مستوى العالم انطلاقاً من منصة فعاليات القمة العالمية لعام 2019، حيث شهدت إضاءات على التجربة الحكومية لجمهورية كوستاريكا، ضمن أربعة جلسات قدمها مسؤولون من مختلف القطاعات الحكومية والتنموية في كوستاريكا لإطلاع العالم على التجربة الكوستاريكية الملهمة في مختلف مجالات التنمية من منصة القمة.

ثمار الحوكمة والتخطيط

وتخصص كوستاريكا 7.3 بالمئة من دخلها الوطني للتعليم و9.9 بالمائة للصحة، وهي ملتزمة بأجندة التنمية المستدامة، وأول دولة في العالم توقع تعهداً على المستوى الوطني لتحقيق التنمية المستدامة، بمكافحة الفقر وإنهاء انعدام المساواة، وتعزيز الإنتاج، وترشيد الإنفاق والاستهلاك، وبناء المدن المستدامة.

وعرضت معالي ماريا ديل بيلار غاريدو، وزيرة التخطيط الوطني والسياسة الاقتصادية، خلال القمة العالمية للحكومات أسباب حرص كوستاريكا على الاستدامة، مبينة أن المساحة الصغيرة التي تمتد على رقعة 51 ألف كيلومتر لا غير، 26% منها أراض مصنفة كمحميات، شجعت الدولة على تبني مفهوم الاستدامة والحوكمة الرشيدة، وتفعيل دور المؤسسات، والتخلي عن النفقات العسكرية لصالح التنمية حتى وصلت نسبة التعليم الابتدائي فيها 97.4% من عدد السكان، وهي ضمن الأعلى في أمريكا اللاتينية.

7 ركائز

لذلك أطلقت كوستاريكا خطة جديدة للاستثمار والتنمية تقوم على 7 ركائز استراتيجية هي الابتكار والبنى التحتية والأمان المجتمعي والصحة والتعليم المستمر واستقرار الاقتصاد الكلي والحفاظ على الطبيعة.

وعددت الوزيرة غاريدو الأهداف الوطنية التي تعمل عليها الحكومة الكوستاريكية وهي مواصلة معدلات النمو الحقيقي، وخفض معدلات الفقر، وتقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة، وتقليص البطالة، وتعزيز المساواة، مع تطوير الشراكات بين القطاعين الحكومي والخاص لتحقيق ذلك والوصول إلى اقتصاد رقمي مستدام ومبتكر يحمي مستقبل الأجيال القادمة.

دور مجتمعي

وعن دور المجتمع الكوستاريكي في التنمية، قالت غاريدو إن مؤسساتنا اليوم حيوية وتستمع باهتمام وباستمرار لاحتياجات المجتمع والأفراد حاضراً ومستقبلاً، وقد حققنا الكثير من الإنجازات بفضل هذا التوجه التفاعلي الذي جعلنا إحدى أسعد الدول على مستوى العالم، وختمت بالقول بلدنا صغير بمساحته كبير بطموحه نحو تنمية مستدامة صديقة للبيئة تمكن كافة أفراد مجتمعنا.

حق دستوري

وقد حقق كوستاريكا تقدماً هائلاً في مجال الرعاية الصحية منذ منتصف القرن الماضي حيث سجلت أرقاماً قياسية نوعية جعلتها تتميز بين دول أمريكا اللاتينية بتوفيرها الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي للجميع.

وقد عرض رومان ماكايا هايس، رئيس الهيئة الوطنية للضمان الاجتماعي، لتجربة تحقيق ضمان اجتماعي مستدام في كوستاريكا ضمن القمة العالمية للحكومات، مؤكداً أن الحصول على الرعاية الصحية المجانية والشاملة حق دستوري لجميع المواطنين في كوستاريكا، مستعرضاً إنجازات نظام الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي فيها، والذي بدأ منذ عام 1941 ليصل اليوم إلى البرنامج الشامل للضمانات الصحية والاجتماعية المتكاملة للمواطنين، والذي يوفر تغطية عالمية للرعاية الصحية المجانية لكل مواطن كوستاريكي في أي مكان من العالم.

99 بالمائة

وأوضح هايس أن أكثر من 99.5 بالمئة من مناطق كوستاريكا ذات التضاريس المتنوعة فيها عيادات متكاملة تقدم رعاية صحية متكاملة علاجية ووقائية مجانية، ومنذ عام 1990 بدأت الدولة إجراء فحص شامل لـ51 مرضاً لكل مولود حتى أصبح لديها اليوم بنك متكامل للمعلومات الجينية متكاملة، يسهم في تحسين صحة جيل كامل ويمثل فرصة مستقبلية لاستشراف الفرص للتدخل الطبي الوقائي والاستباقي للحفاظ على صحة الأجيال القادمة.

80 عاماً

ونتيجة لذلك أصبح معدل عمر الفرد في كوستاريكا يصل إلى 80 عاماً، ما وضعها في مصاف الدول الغنية والمتقدمة، كما شجعها على التخطيط مستقبلاً لرفع إنفاقها الحكومي على الصحة العامة حتى 10% من دخلها الوطني العام.

المرأة الكوستاريكية

ولأن تمكين المرأة أساسي في تحقيق التنمية المستدامة، كانت المرأة وتعليمها وفتح المجال أمامها لتحقيق الفرص في قلب اهتمامات وخطط عمل الحكومة الكوستاريكية منذ عقود.

وعن هذا الاهتمام، تقول معالي لورينا أغويلار، نائبة وزير العلاقات الخارجية في جمهورية كوستاريكا، إن الدولة تحاول أن تكون نموذجاً عالمياً في التوازن بين الجنسين، ولديها أكبر تمثيل تشريعي بنسبة تفوق 45 بالمئة، وأول حكومة متوازنة بعدد 12 إلى 13 للجنسين، فيما يبلغ معدل النساء الحاصلات على شهادة جامعية 187 مقابل كل 100 من الحاصلين عليها من الرجال، متحدثة عن إطلاق تحالف “للجميع” عام 2018 في الأمم المتحدة لتعزيز حقوق التوازن بين الجنسين وحماية البيئة.

وتقول أغويلار: “نحن مركز للأمل بالابتكار والتنمية المستدامة والمساواة، وقوتنا ليست عسكرية أو اقتصادية، بل قوتنا في ديموقراطيتنا وحقوق الإنسان والسلام واحترام الطبيعة وإعلاء قيم السعادة”.

بيئياً

ولأن كوستاريكا تمثل قصة نجاح ملهمة في الاعتماد على الطاقة المتجددة والمستدامة، وتحقيق التنمية الخضراء، وخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري والتغير المناخي، استقبلت القمة العالمية للحكومات، فيليبي كارازو، المدير التنفيذي لمؤسسة “فونديكور” المعنية بالاستثمار في الطاقة المتجددة.

ويقارن كارازو بين تجربة دولة الإمارات في مجال الطاقة المستدامة وقصة موازية في كوستاريكا تحمل الاستدامة إلى بعد جديد بالتركيز على الطاقة المتجددة، من خلال مبادرة المركز الأخضر “جرين هب” التي تسعى إلى التوسع لتكون مبادرة عالمية مشتركة تحقق قيمة مضافة من الاستدامة وتعتمد على البحث والتطوير، وتبادل المعرفة وتطوير الأعمال، بحيث أصبحت كوستاريكا مختبراً للمبادرات المبتكرة بيئياً.

تشابه

ويرى المسؤول الكوستاريكي العديد من أوجه التشابه بين الإمارات وكوستاريكا في بحثهما عن تبنى أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا، ودعم حلول مبتكرة، ومساندة سياسات داعمة لمكافحة التغير المناخي، والعمل لتعزيز التعاون الدولي لتحقيق ذلك.

ويأمل كارازو، الذي يتطلع إلى مشاركة كوستاريكا في مختلف المنصات العالمية التي تستضيفها دولة الإمارات في مواعيد جديدة مثل القمة العالمية للحكومات وإكسبو 2020، أن تكون مبادرة “جرين هب” بداية تعاون مشترك مبتكرة بين كوستاريكا ودولة الإمارات لتحقيق شراكة في الاستدامة.

وبالمحصلة أصبحت كوستاريكا اليوم نموذجاً ملهماً للعديد من الدول والحكومات في كيفية توجيه الإنفاق الحكومي لتطوير القطاع الصحي والتعليمي، وتحقيق التنمية المستدامة، وتمكين المرأة، وتحقيق التوازن بين الجنسين، وتشجيع السياحة البيئية، وتوظيف الإنفاق الحكومي لرفع مؤشرات السعادة وجودة الحياة، وبناء مستقبل أفضل لأجيال المستقبل.

قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


32 − = 23