فِتَنُ كاتب عربي في باريس لـ أحمد المديني

صدر حديثاً عن منشورات المتوسط – إيطاليا، كتاب جديد للقاص والروائي المغربي أحمد المديني، وجاء بعنوان “فتن كاتب عربي في باريس”، (من سيرة ذات)، ويأتي هذا الكتاب، أغلبه، في قالب يوميات. إما تتسلسل زمنياً، أو تتباعد، وطوراً تأتي سياقاً مثل سكة حديد يمرُّ فيها قطار الحياة بعرباته، داخل كلِّ عربة مسافرون، يقرؤون ويحلمون ويحكون. إن الحكي عماد هذا التأليف، بقدر ما يدور على محور الفصول، تراها عيونٌ، وتحسُّ بها ذات.

سيجدُ القارئ الجوّال بغيته هنا، إذ الإقامة في باريس عنوانٌ كبيرٌ تنضوي بداخله عناوين متفرِّدة، لأعلام ومعالم وأزمنة، ثلاثتها مرصودة، محكية وموصوفة من بؤرة ذات، هي جزء من سيرة المديني. بلا أقنعة، إنَّما بأضعاف هويات، في قلبها هوية باريسية، فباريس الكاتب التي يعيش فيها وجغرافيته وناسه ورؤيته وإحساسه بها، ولسواه ما يحب، وإلاَّ كيف يمكن أن توصف مدينة بأنها تختصر العالم Ville-monde. لذا تمثل الكتابة من عاصمة العالم حيث تقلَّبَ عمالقة الأدب والفن ضرباً من التحدي والإعجاز في وجه كلِّ حامل قلم. عليه وهو يرسم العالمي الخارجي أن يعي بأن قيمة الكاتب والكتابة تكمن في التجربة والرؤية الفردية، ولا تتأتى إلا من ذات، بعض سيرة ذات خصوصية، يهديها الكاتب لنا في هذا الكتاب بسخاء.

من الكتاب:

أقفُ على مبعدة أمتار محسوبةٍ من المدرسة، في الرصيف المقابل، مُنزاحاً بالقدر الكافي، يجعلني أرى ولا أُثير الشّكّ، إذ لا معنى لوقوف شخص بلا غرض صبيحةَ يوم الدخول المدرسيّ، اللّهمّ أن يدورَ في رأسه، نعم، تدور في رأسي طفولتي، لا لأستعيدها، وإنَّما لأنتقم لها بهذا المشهد الصباحيّ الجميل والإنسانيّ الذي حُرمتُ منه، حُرمْنا منه جميعاً تقريباً، نحن محنُ، أبناءُ الجنوب؛ هناك ذهبنا إلى المدارس كعقاب أو لأن ليس لنا مكان آخر نُرمى فيه. ليتخلص آباؤنا من صُداعنا وانحرافاتنا المتربّصة بطفولتنا، تركيننا نواجه مصيرنا كيفما أتّفق، لذا نحن وُجدنا، ونوجد كيفما أتّفق، ونبقى إلى أن نموت كذلك، هكذا. أي لا كهذه الباقات، هذه الأكاليل من أولاد وبنات، مرفوقين بآباء وأمّهات زاهيات، تحسبهنّ في ليلةِ زفاف، الفرح يرتع في وجوههم، والعزيمة تتقدّمهم وجيوبُهم ملأى حلوى، يأخذون قبلةً عند باب الدخول، وسيستقبلهم حضنٌ وقبلاتٌ، لا هراوات أو فراغ، بعد جرس الخروج.

أحمد المديني:

قاص وروائي، باحث جامعي وناقد أدبي، من المغرب. خريج جامعة السوربون بدرجة دكتوراه دولة في الآداب والعلوم الإنسانية 1990. عمل أستاذاً في جامعات مغربية وفرنسية. صدرت له أعمال عديدة قصصية وروائية، ورحلات، ودواوين شعرية، ودراسات جامعية ونقدية وترجمات أدبية، عن دور نشرٍ عربية، وأجنبية. تُرجمت بعض كتاباته إلى الفرنسية والإسبانية والإنكليزية. شارك في عدة مناظرات أكاديمية ومؤتمرات أدبية بالعالم العربي، وخارجه. وله أبحاث منشورة في المجلات والحوليات المتخصصة، حصل على جائزة المغرب للكتاب في فئة الدراسات الأدبية والنقدية عام 2003، وعلى الجائزة نفسها في فئة الإبداع السردي عام 2009.

قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


7 + 3 =