الكاتب الحبيب الدائم ربي في ضيافة كلية الآداب بالجديدة

      احتضنت كلية الآداب بالجديدة   يوم الخميس 20 ماي 2021 لقاء تواصليا  مع الكاتب الحبيب الدائم ربي لفائدة طلبة بحوث الترجمة التي تشرف عليها الدكتورة ثريا وقاص (شعبة اللغة الفرنسية)، فبعد كلمة ترحيبية  قدمت فيها الأستاذة وقاص   سيرة موجزة عن الضيف ومجال اهتمامه، لتعطي الكلمة لهذا الأخير الذي نبّه، في البداية، إلى أنه من التبسيط المُخِل الظنُّ بأن الكاتب أكثر إدراكا لما يَكتب من سواه. صحيح أنه  قد يعي جيدا بعض “أسراره المطبخية” وإكسيراته، كما أنه أحيانا يغش في اللعب كأي مقامر، وعليه فدور القارئ هو إضاءة النصوص وكشف الفخاخ المنصوبة في ثناياها ومنحها أبعادا تأويلية ربما لم تكن لتخطر على بال صاحبها نفسه. وإن كان هذا “التأويل المفرط” من شأنه، أحيانا، أن يقوّل النصوص ما لم تقله. وأعطى أمثلة تطبيقية عن نماذج من القراءات التي جنحت جنوحا كبيرا  حتى أنها جلبت على النقاد قدرا من السخرية، من ذلك تلك الدراسة التي تناول فبها ناقد ديوانا شعريا، من خلال ما سماها محمد الغذامي بـ”المفردة الحقيرة”، أي  المفردة البؤرة التي تشكل “حجر سنمار” في بناء الرؤيا الشعرية للشاعر، وقادته حمياه إلى استعراض ترسانته النقدية المخصّبة بما جادت به المذاهب والاتجاهات من مصطلحات ومفاهيم، ليتم تنبيهه، بعد ذلك، بأن تلك “المفردة” كانت مجرد خطأ مطبعي شاب الديوان. لذلك فإن  نظرة كثير من الكتاب والمبدعين للنقاد يشوبها عدم استلطاف حتى أن منهم من اعتبر هؤلاء مجرد طفيليات تتعيش على جثث النصوص، بتقديم كلام معقد على كلام بسيط في الغالب. بيد أن النقد كما أكد  الحبيب الدائم ربي مهم جدا للدفع بعجلة الإبداع، والمحفلان  معا وإن  كان يشجرُ بينها، بين الحين والحين، بعض التوتر فهما متكاملان. ليتوقف عند تجربته الشخصية في الكتابة، باعتبارها، كما يري، مراسا وتدريبا  لا دخل للوحي والإلهام فيهما، بل إن التخييل  قد ينطلق من الواقع عبر التقاط الإشارات والمفارقات والأحداث والمواقف وصوغها في قالب فني قد يتخذ تجنيسا معينا أن يفيض عن التجنيس. هكذا وبعد استعراضه لمجموعة من الأدلة النصية الشارحة لتصوره، ركز على مجموعتيه القصصيتين ” الرجل التي…” و”سارق المجوهرات”، عاقدا بينهما مقارنة، على صعيد التيمات والأشكال. فلئن بدت المجموعة الأولى ميالة إلى الاحتفاء باللغة والأسلوب فإن المجموعة الثانية نحتْ نحو السهولة التي يصعب اختراقها، أي اجتراح أشكال “قصصية مقالية” تبدو بسيطة لكنها تطرح أسئلة معقدة، كمُناص العنوان” سارق المجوهرات” الذي هو كناية على الزمن الذي يسرق منا شبابنا وأحبتنا وربما تواريخنا وأوطاننا، مشيرا إلى أن الكتابة  القصصية هي، في حد ذاتها، سرقة موصوفة وواصفة  للحظة  الهاربة من العدم. هذا عدا كون أغلب نصوص المجموعة اعتمدت تقنية الظلال والمرايا، أو الصوت والصدى، إذ إن كل حكاية فيها تقوم على حكاية أخرى، مما حوّل دوال الحكايات الثاوية في قيعان النصوص  مداليل وأدوات بانية للحكايات المؤطرة، في لعبة تضعيفية من شأنها إتاحة مجالات أوسع  لتخصيب فعل التأويل والترجمة.

وبعد هذا العرض فتح المجال للطلبة  ليطرحوا أسئلتهم واستفساراتهم. ولأن المناسبة شرط، كما يقال، ولأن الطلبة عاكفون على ترجمة  بعض نصوص الكاتب  فقد كان لا بد من وضعهم في الأسيقة الشارطة  لها، وما  تتضمنه القصص من إحالات ونصوص غائبة وصيغ ثفافية  قد ترتبط بالذاكرة والمكان،  وأحيانا بما هو لهجي ومحلي، حتى أنه يصعب فهم مداليلها فأحرى ترجمتها إلى لغة أخرى، ولوأن الترجمة قد تسمح بمنح النصوص غني إضافيا إذا ما توفقت في الحفاظ على وهج النصوص. ولأن كل ترجمة هي آثمة، فإنها حين تراعي الأعرف  والضوابط المنهجية  لها أفضالها حتى ولو لم  تصل إلى الدقة المطلوبة. ولتحفيز الطلبة  أكثر أشار الكاتب، في الأخير، إلى أن الترجمات الخاطئة لفلسفة الأنوار الألمانية إلى اللغة الفرنسية قد فتحت آفاقا  ما كان للأصول أن تفتها، مادامت قد بذل فيها مجهود كبير، محذرا من الوقوع في  مطب “مفردات حقيرة” قد تتخلل النصوص عن خطإ  أو تصحيف.

لينتهي اللقاء، بحفل صغير، تكرمت الأستاذة ثريا وقاص  بإقامته، تخليدا للمناسبة،   في جو من الألفة الوارفة التي ما انفكت الشاعرة  تنسجها مع طلبتها وعشاق إبداعاتها.

قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


38 − 32 =