“القصر الأحمر” … حكاية مُشَوِّقة من تاريخ مدينة الجديدة

عبد الله غيتومي

يعرف ساكنة مدينة الجديدة بناية حمراء اللون، جاثمة بأقصى حي سيدي الضاوي بشموخ، تستمده من معمارها وعراقة تاريخها، يتعلق الأمر ب”القصر الأحمر” الذي أضحى معلمة تاريخية من أهم معالم المدينة.

لكن حكاية هذا القصر لا يعرف قصته كل الجديديون بالطبع، لأنهم دأبوا على معرفته قصرا تعود ملكيته إلى أحد القياد، بل الكثيرون من سكان المدينة الأصليين يرجعون بناءه إلى القائد نفسه. لكن الحقيقة هي عكس ذلك فالمرجح بل الأكيد أن القصر الأحمر بني في الفترة بين 1925 و1930 من طرف مستثمر إسباني يدعى “كليسون”، وهو شخص راكم ثروة مهمة فقرر إنشاء معمل للنسيج في أرض مقابلة للقصر الأحمر ، هي الآن عبارة عن خراب كانت تستغله شركة الأغطية مازافيل بعد رحيل المعمر الإسباني .

وتذكر المصادر أن الإسباني كليسون حفر نفقا يربط القصر بالمصنع، الذي تخصص في الفترة مابين 1939 و1945، وهي فترة الحرب العالمية الثانية التي دارت رحاها بين الدول الحلفاء كفرنسا وإنجلترا ضد دول المحور المشكلة من ألمانيا وإيطاليا واليابان، وكان مصنع النسيج بالجديدة أو ماكان يطلق عليه الجديديون ” ماكينة الشرويطة”، يصنع الجوارب والأغطية والكاشكولات لجنود الحلفاء والتي يتم تصديرها نحو فرنسا انطلاقا من ميناء الجديدة، وتضيف مصادرنا أن مصنع كليسون للنسيج اشتغل به سجناء ألمان كانت أسرتهم قوات الحلفاء، وكان كليسون بعد انتهاء فترة إدارته للمصنع يمر عبر النفق التحت أرضي نحو قصره المكون من 12 غرفة ومطبخين وحمام، 6 غرف بالطابق الأرضي و6 غرف بالطابق الأول. وكانت اللمسات المعمارية الأندلسية ظاهرة على واجهة القصر، الذي كان في سنة 1930 منعزلا لا تحيط به أي بنايات تذكر، باستثناء بعض المعامل المتخصصة في تصبير الأغذية، وهي شبيهة بالفابريكات، نخص بالذكر منها معمل “بوماك” الذي كان متخصصا في تصبير السردين وسمك التون الذي كانت تزخر به شواطئ الجديدة، ومعمل “بوردو أوسكيبا” في تعليب الطماطم، وهي كلها معامل كانت توجه منتوجاتها لتغطية حاجيات جنود الحلفاء، ولا تختلف المصادر في كون منطقة سيدي الضاوي كانت أول منطقة صناعية بتراب دكالة، وكانت تدار باستثمارات  أجنبية، وكان شارع مولاي عبد الحفيظ حيا راقيا سكنه يهود وفرنسيون، بل إن أحد أبناء “باحماد ” بنى مسكنا له بالشارع ذاته واستقر به إلى غاية موته لتنتقل ملكيته إلى أحد أبناء بلفقير .

واستمر القصر الأحمر مسكنا للإسباني كليسون ينعم فيه بالراحة بعيدا عن صخب الجديدة الذي لم يكن يتعدى الحي البرتغالي، وكانت له علاقة بفرنسي ثري بنى منزلا على أمواج البحر في “دوفيل بلاج” المكان المقابل الآن وبالتقريب لمقهى علي بابا، وكان الفرنسي ثريا إلى حد أنه كان يأكل بمعدات من ذهب، ولم يكن ذلك الثري سوى “مليوص” الذي أصبح سكان الجديدة يسمون ذلك الجزء من شاطئ الجديدة ب”دار مليوص” .

وفي سنة 1945 وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها باندحار قوات هتلر وموسوليني بعد أن غلبت الولايات المتحدة كفة الحلفاء بانضمامها إلى جانبهم سنة 1942 .

وفي سنة 1948 باع كليسون مصنع النسيج إلى يهودي جديدي يدعى “بلعطار”، وأعلن نيته بيع القصر الأحمر وفي نفس السنة أي 1948 سال لعاب بعض القياد من المرحلة الاستعمارية وضمنهم قائد مراكش “لمصوبر” الذي كان ضمن طاقم الباشا الشهير “التهامي لكلاوي” وقائد من الدارالبيضاء يدعى القائد “المعطي” وقائد ثالث طوى إسمه النسيان، وحدثت بين القياد الثلاثة مزايدة حول اقتناء القصر، الذي رسا في النهاية ثمنه على القائد “لمصوبر” بثمن قدره يومذاك 80 ألف ريال أي مايعادل اليوم 80 مليون سنتيم، ومنذ سنة 1948 انتقلت ملكية القصر من الإسباني كليسون إلى القائد لمصوبر، الذي نقل إليه بعضا من خدمه وأسكنهم في 4 منازل قصيرة بجانب القصر، بناها لهم بغاية الاستقرار قريبا منه لتلبية حاجياته، والقصر الأحمر كان أبيض اللون ولم تطل جدرانه باللون الأحمر إلا من طرف القائد لمصوبر، الذي طلاه بالأحمر اقتداء بألوان مراكش الحمراء، خاصة وأن أحمد لمصوبر كان مراكشي المولد والمنشأ، ودأب القائد المراكشي على قضاء شهرين من صيف كل سنة بالقصر الأحمر، وأصدر أوامره إلى خدمه لزراعة “عرصة” محاذية للقصر بكل الأشجار المثمرة .

ولما كان بلغ خبر بيع كليسون للقصر إلى القائد بثمن 80 ألف ريال إلى أبناء الإسباني، حلوا بالجديدة وأقاموأ دعوى للشفعة واسترجاعه، إلا أن ذلك لم يغير من الأمر شيئا، إذ ظل القائد أحمد لمصوبر ينعم بقصره إلى وفاته سنة 1958 لتنتقل ملكيته إلى ورثته إلى حد الآن، وكان هذا حال باشوات يمتلكون قصورا مثل الباشا “حمو بلعباس” الذي جسد حكم العبابسة والباشا “بن ضويو” ، ومثل القياد كالقائد “سي بوبكر القاسمي” والقائد “بوشعيب” وعدد من القياد الآخرين الذين وشموا ذاكرة دكالة وأهلها .

هذه هي قصة القصر الأحمر والدعوة موجهة إلى الجهات التي يعنيها الأمر للتعجيل بتصنيفه معلمة تاريخية لأنه جزء من ذاكرة هذه المدينة .

قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


23 − 17 =