تقع معلمة “القبطانية” التاريخية بالرُّكن الجنوبي الغربي لحيّ القصبة بالمدينة العتيقة لأزمّور. وهي عبارة عن مُجمّع معماري كبير ارتبط بالقيادة العسكرية للحامية البرتغالية خلال فترة الاحتلال البرتغالي للمدينة (1541-1513م). إذ كانت تُمَثِّل مقرّا لإقامة القبطان البرتغالي الحاكم لأزمّور خلال تلك المرحلة من تاريخ المدينة (قصر القباطنة/ Palàcio dos capitàes).
تعتبر القبطانية من أبرز المنشآت البرتغالية في أزمور، وقد انطلقت أشغال بنائها مباشرة بعد احتلال البرتغاليين للمدينة في عام 1513م. وأشرف على عملية البناء المهندسان الأخوان البرتغاليان فرانسيسكو ودييكو دي أرّودا Fransisco et Diego de Arruda، اللذان حازا شهرة واسعة بفضل أعمالهما الهندسية سواء ببلدهما البرتغال أو بالثغور المغربية المحتلة.
تشتهر المعلمة لدى الأزموريّين باسم “دار البارود” وأيضا ب”دار السّلاح” إلى جانب اسمها المتعارف عليه “القبطانية”.
تتوفّر هذه المعلمة على مجموعة من المرافق: منها قاعات يُرَجَّح أنها كانت مُخصّصة في عهد البرتغاليين لخزن المؤن والسّلاح، وحوض مستطيل يُعتقد أنّه استعمل في الماضي كصهريج أو كخزّان للماء، إلى جانب فضاءات عُلوية تقود عبر باب صغير إلى ممرّ المراقبة للسّور التّاريخي للمدينة.
ومن أبرز مرافق القبطانية البُرج الدّائري المُخصَّص للمراقبة الذي يحتلّ الرّكن الجنوبي الغربي للقبطانية. يتمّ الصُّعود إلى هذا البرج عبر أدراج، وهو مُحاط بممرّ داخلي للمراقبة والحراسة، ومُعزّز بكوّات للرّمي بالبنادق وكذا بفتحات للمدافع على ثلاث مستويات من أجل إحكام الدّفاع وتعزيز الحراسة ضد هجمات المغاربة.
انتُهي من أشغال بناء هذا البرج من طرف البرتغاليين في سنة 1514م. وهو يسمح برؤية بانورامية ساحرة للمدينة خارج الأسوار.
يحمل هذا البرج اسم “سان كريستوف” (Saint-Christophe) وهي التسمية البرتغالية للمبنى، وكذلك اسم برج “فندق الحنّاء” نسبة إلى بناية “فندق الحنّاء” التي كانت تتواجد في الماضي على مقربة من موقع هذا البرج. وهو يشتهر أيضا لدى ساكنة أزمور باسم برج “الخاتم” نظرا لشكله الدّائري الشّبيه بالخاتم.
تتوسّط معلمة القبطانية ساحة فسيحة مفتوحة على السماء، تتقدّمها ساحة مفتوحة أخرى أقل مساحة، استعملها المغاربة كمُصلّى بعد جلاء البرتغاليين عن المدينة في 1541م، حسبما تفيد به بعض الروايات الشفوية المحلّية المتداولة وآثار محراب بأحد الجدران المحيطة بالساحة في النّاحية الشّرقية أي في اتجاه القبلة للصّلاة. علما أن الساحتين معا شكلتا في فترة الاحتلال البرتغالي جزءا من الساحة الرئيسية التي تمتد من القبطانية إلى غاية مسجد القصبة الحالي، الذي كان قد حُوِّل من طرف البرتغاليين، بعد دخولهم للمدينة، إلى كنيسة. وكانت هذه الساحة الكبيرة تسمّى بساحة الأسلحة (Place d’armes).
يوجد، على يسار مدخل القبطانية، فضاء ذو سقف مقبّب تتخلّله فتحات صغيرة للإضاءة والتّهوية، يشرف على ساحة صغيرة. يُرجّح أنّ يكون هذا الفضاء قد شغل وظيفة حمّام من طرف المغاربة بعد مغادرة البرتغاليين للمدينة.
رغم الوظيفة العسكرية لبناية القبطانية إلا أن هندستها لا تخلو من جمالية تتجلّى بالخصوص في تصميمها الفريد، وفي نوافذها المانويلية الجميلة، وفي البرج الدّائري المُدعّم لها.
خضعت معلمة القبطانية لعدة عمليات ترميم من طرف وزارة الثقافة، كان آخرها ترميمات سنتي 2016 و2017م التي أشرف عليها مدير مركز دراسات وأبحاث التراث المغربي البرتغالي بالجديدة الباحث الأثري السيّد أبو القاسم الشبري.
وأجريت في القبطانية بعض الحفريات الأثرية خلال سنوات 2008م و2016م و2017م، نشرت نتائج بعضها (2008م) في مقالات علمية ساهم في إنجازها الباحث الأثري السيّد عز الدين كارا بصفته أحد المشاركين في الحفريات الميدانية.
كشفت هذه التنقيبات عن وجود أربع حفر مستديرة لعلّها استعملت في الماضي كمطمورات لخزن الحبوب أو كحُفر لرمي النفايات أو لطهي الفخار. كما كشفت هذه الأبحاث عن آثار سواقي لنقل الماء، وعن لقى أثرية متنوعة عبارة عن أواني فخارية متعدّدة الأشكال والأحجام مغربية وبرتغالية الصّنع، وعدد من الماصّات الفخارية المستعملة في التدخين (pipes) مشابهة في عدد منها لماصّات عثمانية وإنجليزية الشّكل تعود لفترة القرن 18م.
وهي معطيات تسمح بتكوين صورة عن بعض العادات والتقاليد الثقافية والاجتماعية التي كانت تسود في أزمور خلال فترات ماضية، وكذا عن بعض المعاملات والمبادلات التجارية لساكنتها التي تؤكد على انفتاح المدينة على محيطها الخارجي، سيّما خلال القرن 16م والقرن 18م.
صُنّفت معلمة القبطانية في قائمة التراث الوطني بظهير مؤرّخ بتاريخ 09 نونبر1927م. وهي تُعتبر اليوم من أبرز المآثر التاريخية وإحدى أهم المزارات السّياحية بالمدينة العتيقة لأزمور.
ويستضيف فضاؤها أنشطة ثقافية عديدة ومتنوعة في إطار تنظيم مهرجانات ثقافية وفنية ولقاءات شعرية وفكرية بالمدينة.
نسرين الصّافي (محافظة مدينتي الجديدة وأزمور بالمديرية الإقليمية لوزارة الثقافة بالجديدة )
قم بكتابة اول تعليق