بقلم – عبدالله أطويل
في عز زمن الكوفيد 19 انقطع لغو المشعوذين والرقاة والمعالجين من شتى الأمراض والأوجاع والأوهام، وتقطعت حبال جالبي الحظوظ السعيدة والأرزاق الوفيرة وأصحاب الوصفات المزيلة لكل العلل والأسقام، وتهاوت خيام الراسخين في هذا العلم من كهنة ومشعوذين وعرافين ومدلكي الترهلات الجسدية ومنتسبي العلاجات الخرافية بالأسلكة والقضبان النحاسية وما دون ذلك، وتهدمت أعمدة ومتاريس العشابين وأرباب الطاقة المكاوية ومُرَوِّدي الجن، ومن لف لفهم.
وإلى زمن غير بعيد قبل حلول كورونا بالمغرب، كانت أخبار هؤلاء تتراقص بين منصات التواصل الإجتماعي. وأنت تسمع مرة عن هذا له قدرات خارقة في فك طلاسيم وشفرات استعصت على الطب الحديث سبر أغوارها، ويتناهى إلى مسامعنا عن ذلك الذي يملك من الطاقة المكاوية ما يشفي المرضى ويجعل المشلولين عن الحركة مؤهلين للنط على الحواجز وخوض المارطون، أما نصف المراطون فقد يكون بمثابة شربة ماء، وهنالك أحدهم يتحدى الهيئات الصحية الوطنية والعالمية، ويزعم أنه يملك الوصفات لإبادة كورونا إن هي سولت لها نفسها اختراق الحدود المغربية.
ومن سمع أيضاً العشاب الفلاني أوالعلاني وهو بعظمة لسانه يقسم بأغلظ الإيمان متوعدا كورونا بشر العقاب وأبشعه، مدعيا أنه يتوفر على وصفات جاهزة دون الكشف عنها باعتبارها بديلا عن غياب الأمصال والعقاقير حسب مزاعمه، دون أن ينسى أن يقسم للسامعين والمذهولين للعقدة التي حلت من لسانه، وهو يقسم لهم أنه لا يبتغي من وراء ذلك جزاءً ولاشكورا.
حتى صَدَّقَها مُرِيدُو هذه الزاوية والمُصَلِّين على قبلة هؤلاء المشعوذين والمعالجين. فحين تجد من الناس من إذا سمع هذه الأقاويل قال آمين، نقع بوعي أو بدونه في دائرة الترويج لفكر تقزيمي لفيروس فتاك، من شأن هذه الأفكار احتلال الحيز الأكبر من اللاوعي والعقل الباطني للجماهير.
بل حتى الموتى لم يسلموا من ذلك، وروج المروجون لهم، وشَهَّر المشهرون عن سادات وولاة يرقضون في أضرحة، ورغم ذلك فإنهم يخوضون مع الخائضين ولا يبخلون عن زوارهم في تلبية رغباتهم ومداواة عِللهم، وفي هذا الشأن قد تسمع عن التخصصات ما تسمع، فمثلا الضريح الفلاني متخصص في علاج الأورام المستعصية وفلانة الراقضة في الضريح كذا قد تكون من متخصصي جلب الرزق والسعد، ومنهم المتخصص في الزواج وما إلى ذلك.
بين عشية وضحاها، وما إن اشتد الجد الوبائي لجائحة كوفيد التاسع عشر حتى انكشفت الحقيقة وتبخرت غمامة الجهل والافتراءات والأكاديب الملفقة، ففروا زُمرًا مستنفرة، وهم يُوَلُّون الأدبار عند أول اختبار، وتسفهت أحلامهم وتكسرت مزاعمهم مصطدمة بصخرة كورونا، وأصبحوا في ديار الحجر جاثمين “لا تسمع لهم همسا ولا تأتيما”.
نكاد نجزم أن كل هذه الادعاءات، لا تغدو قلامة ظفر أن تكون مجرد هرطقات وأساطير الأولين، كما نجزم أيضا أن خبراء هذه المزاعم ومروجي عملتها في سوق الجهل ومن يخوض مع الخائضين فيها، فوالله وتالله إنهم لفي ضلالهم المبين.
مثل هذه المواضيع هي لغو، لا تجتمع مع العلم بيانا في مقال واحد، فالمقارنة ظالمة في وضعية هذه سماتها، يقول الشاعر:
ألم تر أن السيف ينقص قدره
إذا قيل إن السيف أمضى من العصا.
نود أن نكون جديين في تحليلنا، دون أن نمرق كمروق السهم من الرمية، فعين الصواب هو حالنا في زمن كورونا، حيث لم يبق في ميدان المعمعة ومعترك المجابهة غير العلم بعلمائه والطب بأطبائه. فطوبى لمن امتلك نظاما صحيا فولاذيا يمكن أن يقف بجانبه اتقاءً لشر هذا الوباء، وفي ذلك عبرة لمن أراد أن يعتبر، ومن ابتلي بحكومة تتبع تعاليم صناديق البنك الدولي، وظلت تلميذا نجيبا لإملاءات هذه المؤسسات التي لا تؤمن بالمال والاقتصاد، وليس لها في المبادئ الإنسانية إلاًّ ولا ذِمَّة، فلها من هذه الجائحة المتزملة بالجهل أن تعيد النظر في شأنها. أما من أراد أن يرسم لوطنه دروبا في خريطة الرقي والتقدم، فليأخد معه من النصيحة أن حبل الجهل قصير وزاد الشقة البعيدة هو العلم والبحث العلمي، ووصفة ذلك نظام تعليمي صحيح، لا منظومة معتلة متهالكة بالأعطاب.
**أستاذ مادة العلوم والأرض
قم بكتابة اول تعليق