بقلم – المهدي بسطيلي
يتحدث بعض الأصدقاء عن واقع العالم اليوم، كيف يتأسس وكيف يعاد تقسيمه كل لحظة بلحظة، لذلك قررت بحب وباستمتاع كثيرين، أن أقدم قراءتي البسيطة لكل ما يحدث، وقررت أن أشارككم على هذه الجريدة الجميلة كل أسبوع قراءتي المتواضعة والبسيطة و البريئة طبعا.
لذلك اخترت أن أتحدث اليوم عن حدث تاريخي مهم “انهيار جدار برلين” كمفهوم تاريخي، لكن على ما أعتقد الكثير يجهل دلالة هذا الحدث الذي تحول إلى مفهوم مستنبط من التاريخ، ولاحمولاته البريئة التي تحتاج إلى استحضار موضوعي لفهم التاريخ بقدر لابأس به من التأويل.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، قسمت ألمانيا إلى أربع مناطق بحسب اتفاقية يالطة، كانت الدول المحتلة هي الولايات المتحدة الأمريكية،وبريطانيا وفرنسا، والاتحاد السوفييتي، وفي ذات الحقبة بدأت الحرب الباردة بين المعسكر الاشتراكي الشرقي الذي يجسده الاتحاد السوفياتي والغرب الرأسمالي الذي تمثله الدول الأخرى المستعمرة،ومثّلت برلين مسرحا للمعارك الاستخباراتية بينهم.
خلال هذه الفترة، ظهرت الندية بين القوتين العظميين خلال التحالفات العسكرية من خلال تطوير الأسلحة والتقدم الصناعي وتطوير التكنولوجيا والتسابق الفضائي، ولقد اشتركت القوتان في الإنفاق الضخم على الدفاع والترسانات النووية والحروب غير المباشرة، في ظل غياب حرب معلنة بين القطبين قامت القوتان بالاشتراك في عمليات بناء عسكرية وصراعات سياسية من أجل المساندة، بالغزو والاستغلال وبالاعتماد على المستعمرات التي كان المغرب جزءا منها.
وعلى الرغم أن القطبين شكلا قوى عالمية قبل الحرب إلى أنهما اختلفا في كيفية إعادة بناء العالم بعد الحرب، بالاعتماد على قوة التاريخ فالمنتصر هو الذي يضع القواعد ويحكم، بعد التقسيم انطلقت الحرب الباردة بين القطبين وتم نشرها في كل العالم من قبل المعسكر الغربي الرأسمالي لاستئصال الشيوعية من العالم، وحشد الحلفاء و المستعمرات، بعد ذلك سيحصل المعسكر الرأسمالي على مساندة آسيا وأمريكا اللاتينية ودول الجنوب الشرقية.
في عام 1949 بعد قيام جمهورية ألمانيا الاتحادية (ألمانيا الغربية) في المناطق المحتلة من قبل الولايات الأمريكية المتحدة، وبريطانيا وفرنسا، وقيام جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية) بعد ذلك في المنطقة المحتلة من قبل السوفييت، بدأ العمل على قدم وساق على حدود كلا البلدين لتأمينها، وبقيام كيانين، تم دعم التقسيم السياسي لألمانيا، وبين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية، وضع بشكل أولي شرطة وحرس الحدود، ليبنى في 13 أغسطس عام 1961 بأمر من حكومة ألمانيا الديمقراطية الشعبية سور برلين، ليكون ردع حماية من الفاشية (بحسب ادعاءات الحكومية الشيوعية) في حين أطلق عليه اسم (جدار العار) من قبل الحكومة الغربية.
تسببت سلسلة من الثورات في دول الكتلة الشرقية القريبة في عام 1989 -في بولندا والمجر على وجه الخصوص- في سلسلة من التداعيات في ألمانيا الشرقية مما أسفر في النهاية عن إزالة الجدار،وأعلنت حكومة ألمانيا الشرقية في 9 نوفمبر عام 1989 بعد عدة أسابيع من الاضطرابات المدنية، عن إمكانية جميع مواطني جمهورية ألمانيا الديمقراطية زيارة ألمانيا الغربية وبرلين الغربية.
انتهى من هدمه في نوفمبر عام 1991. مهد «سقوط جدار برلين« الطريق إلى إعادة توحيد ألمانيا، والذي حدث رسميًا في 3 أكتوبر عام 1990 بسيطرة القطب الغربي الرأسمالي وانهزام القطب الاشتراكي وتفكك الاتحاد السفياتي في هذا التاريخ تحديدا، وبين بناء الجدار وانهياره حرب باردة أكبر من الحرب العالمية الثانية.
بعد ذلك كتب التاريخ انهزام آخر معاقل القوة في وجه النظام الرأسمالي ليعلن نفسه حاكما للعالم بشرعية الاقتصاد في تحكمه بالدين و السياسة والانسانية وموت نموذج الدولة وبناء المفاهيم الجديدة.
عمل المعسكر الألماني على سيطرته على العالم و التي يجب أن تطلق من خلق تبعية لا قيود ولا حدود فيها، عبر تقسيم العالم إلى مجتمعات متقدمة وأخرى متخلفة تحتاج إلى الوصاية في تطوير نفسها، عبر التنمية والتحديث و التقدم والتطور،والتحكم في العالم إما عبر خلق اقتصاد رأسمالي يكرس لتبعية ضمنية وجعل المجتمعات الأخرى مستهلكة وتابعة اقتصاديا وفكريا، أو ثورات داخلية لمنح الحق في التدخل، وتشجيع معارك بين الدول وكله في خدمة القوى العظمى التي أصبح النظام الرأسمالي يجسدها.
ولضمان السيادة القانونية ثم تجسيد عصبة الأمم من جديد وفتح بابها أمام كل الدول المحبة للسلام التي تقبل التزاماتميثاق الأمم المتحدة وحكمها الذي وضعته القوى المنتصرة طبعا، في الحقيقة لم تكن روسيا عدوا للعالم الرأسمالي ولكن كان النظام الشيوعي الاشتراكي هو العدو الحقيقي الذي كان من الضروري القضاء عليه من أجل بناء القانون الرأسمالي كقانون يحكم العالم عبر قيود تتجاوز قيود الأسرى في الحروب وتتجاوز أي عنف مادي لكنها لا تتخلى عنه أبدا.
غزو العراق على الكويت، صراع الباكستان و الهند، الحرب الأهلية الروندية، ثورة الطوارق، حرب الاستقلال السوفينية، حرب الاستقلال الكرواتية، حرب الجماعات الاسلامية في الجزائر،الحرب الأهلية الصومالية، الحرب الأهلية الأفغانية، حرب البوسناو الهرسك، الصراع العرقي في ناجالاند، الأزمة الدستورية الروسية، الحرب الأهلية في اليمن، الحرب الشياشانية، الانتفاضة الفلسطينية وتأسيس الكيان الصهيوني،… كل هذه الأحداث وغيرها الكثير لم تكن ذات استقلالية في اندلاعها، ولم تكن نتائجها ببراءة أسباب قيامها، فذلك يسائل التاريخ عن القلم الذي يكتب به ومن يمسك ذلك القلم حقا.
كما أن النظام الرأسمالي فرض سيطرته بالمعرفة كذلك، عبر فهم الشعوب وعزوها من خلال الفكر و الثقافة عبر تطويعها ورسم مساراتها تحت شرط الوصاية وما يخدم مصالح النظام الشرعي الذي أصبح يحكم العالم ويحدث انقساماته بذكاء، انتقل بعد ذلك و بالموازاة مع كل هذه الأحداث إلى إعلان موت الدولة كمؤسسة عظمى، تجاوزا للتاريخ الذي يمنح لمجتمع ما السيادة باسم الدولة.
قم بكتابة اول تعليق