هسبريس – مزيني عبد الرزاق
للمرة الثانية تقرر المصالح الحكومية إلغاء مشروع ترميم وإعادة الاعتبار للمعلمة التاريخية بدكالة قصبة “بولعوان”، وتركها تواجه مصيرها المحتوم: الاندثار.
لا يتسع المجال هنا لسرد التاريخ المجيد لهذه المنارة الشامخة التي بناها السلطان القوي مولاي إسماعيل. ولتكوين فكرة عن مجد هذه المعلمة التاريخية يكفي الرجوع إلى موسوعة “ويلكيبديا Wilkipedia” وكتب المؤرخين المغاربة والفرنسيين، خصوصاً منهم “إدمون دوتي Edmon Dutty” الذي يعطي تصميما تفصيليا لهذه المعلمة في كتابه “دكالة”..
تم تشيدها سنة 1710 من طرف السلطان مولاي إسماعيل، وفي فترة الاستعمار الفرنسي تم ترتيبها ضمن التراث الوطني بموجب ظهير مؤرخ في 11 مارس 1911م.
توجد قصبة “بولعوان” على هضبة عالية تطل على وادي أم الربيع، تحيط بها الحقول الزراعية وعدة دواوير؛ وهي توجد على خط تماس بين إقليمي الجديدة وسيدي بنور، بدون مسالك طرقية معبدة؛ وقد طالها الإهمال التام، إذ تهدمت أسوارها ومرافقها الداخلية ومسجدها الذي يعد تحفة معمارية.
السيد الأشعري إبان إدارته لوزارة الثقافة، ونظراً لثقافته الواسعة واهتمامه بإعادة الاعتبار للمآثر التاريخية، خصوصاً منها القصبات، سبق له أن خصص ميزانية تقدر بــ60 مليون درهم لترميم أسوار قصبة “بولعوان”، لكنه سارع مباشرة بعد الإعلان عن المشروع إلى إلغائه وتحويل اعتماداته إلى ترميم أسوار مدينة مكناس، مسقط رأس السيد الوزير.
ويطوي النسيان ملف ترميم القصبة لعدة سنوات، إلى أن اعتمدت الحكومة سنة 2018 برنامجا واسعا لترميم القصبات والواحات بمجموع تراب المملكة. وفي هذا الصدد تقرر في عهد الوزير السابق للثقافة، السيد الأعرج، فتح هذا الملف من جديد وتخصيص ميزانية مهمة مجدولة في عدة أشطر، مع شطر أول مستعجل ترصد له ميزانية أولية قدرها 30 مليون درهم لانطلاق الأشغال ذات الطابع الاستعجالي حسب تصريح السيد الوزير.
الإشكالية الأمنية:
وفي الإطار تقرر انطلاق أشغال إعادة ترميم الأسوار والمسالك الداخلية ومسجد القصبة، وكل ذلك حسب الضوابط التقنية والفنية المعمول بها في هذا الشأن. وقد غمر مجموع “الدكاليين” فرح كبير لهذه الالتفاتة القيمة التي طال انتظارها، ونظمت عدة لقاءات بمقر عمالة الجديدة هلَّلَ فيها المسؤولون كثيراً لانطلاق هذا الورش.
لكن مع الأسف ستخيب الآمال من جديد؛ ذلك أنه بمناسبة جلسة عمل جمعتني مؤخرا مع رئيس ديوان السيد وزير الثقافة، لاحظت فوق طاولته ملف ورش إعادة ترميم “قصبة بولعوان” مع كل الصور والبيانات.
وبحكم أنني من أصول دكالية (سيدي بنور) التمست من السيد مدير الديوان تقديم تشكراتي للوزير لهذا الاهتمام بإعادة الاعتبار لهذه المعلمة التي طالها الإهمال.
وكم كانت خيبتي كبيرة حين أخبرني بأن هذا الملف سيلغى للمرة الثانية وتحول اعتماداته إلى مشاريع أخرى، لكون الأرض التي توجد عليها القصبة في ملك مجموعة من الفلاحين الذين يعترضون على انطلاق الأشغال.
وفي اليوم الموالي اتصلت بمصالح المحافظة العقارية التي أكدت لي أن القصبة مبنية فعلاً على أراض فلاحية في ملك الخواص. واتصلت بعدها بمسؤولي مصالح عمالة الجديدة وسيدي بنور الذين أخبروني بأنهم على علم بهذه الإشكالية العقارية، ولا يمكنهم بالتالي إلا الاستسلام وقبول إقبار مشروع الترميم من جديد.
فيا أيها الدكاليون الأحرار، ويا أيها الأعيان والمنتخبون والمسؤولون المحليون والجهويون وفعاليات المجتمع المدني بهذه المنطقة، كيف تستثنى هذه المعلمة من البرنامج الواسع الذي فتحته الدولة لترميم القصبات والواحات في مجموع التراب الوطني؟ ألم يتمكن مسؤولو الجماعات والإقليمين والجهة من رصد الاعتمادات اللازمة لاقتناء الأرض المتواجد بها هذه المعلمة، أو تحريك مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة لإنقاذ هذه المعلمة المتبقية من تاريخ المغرب ودكالة على الخصوص التي انمحى اسمها في التقسيم الجهوي الجديد، بعد أن حل اسم “سطات البيضاء الكبرى” محل “دكالة عبدة”.
قم بكتابة اول تعليق