سعيد المفتاحي : الحفاظ على الملحون يجب أن يساهم فيه الجميع وأن لا نعمل على وضعه في خانة التحف والإكسسوارات

حاوره من باريس – المصطفى اسعد 

“المغرب الآن” تستضيف احد عمالقة فن الملحون و مجدد الانشاذ التعبيري بالفن المغربي الفنان سعيد المفتاحي 

من هو سعيد المفتاحي الفنان والانسان ؟

العبد لله الضعيف إبن الحاضرة الإسماعيلية مكناس من عائلة بسيطة العيش ولكن سعيدة بمحافظتها على الأعراف والتقاليد المغربية الجميلة وأصول الدين الإسلامي كباقي المغاربة
نعم سيدي إنها مكناس التي كانت آنذاك عبارة عن معهد عالي للفنون فأعراس هذه المدينة لا يمكن أن تقام إلا بالملحون أو تاعيساويت او أهل لتوات وبعض الفرق النسائية التي تتغنى بكل هذه الأنماط الموسيقية التي ذكرت… على غرار باقي المدن المغربية التي تحتفي بالأشكال الموسيقية الخاصة بالمنطقة في كل المناسبات ، لقد كانت أيام رائعة وجميلة,جدا.
فكان طبيعي أن تمتلكني هذه الفنون الراقية بشعرها بمواضعها وبإيقاعاتها الراقية ، هذه الألوان التي كانت تخاطب الفكر والوجدان قبل الجسد ، فكان تكويني الفني بمغربنا الغالي والآن أخوكم مستقر بالديار الفرنسية التي زادتني تشبثا بوطني وبعروبتي لدرجة أحس بأن جسدي يعيش بمدينة مونت لاجولي الفرنسية وقلبي يعيش هناك بالوطن الحبيب، أشتغل في مجال التعريف بما يزخر به المغرب العربي الكبير من زي ومطبخ ورجالات الفن والإبداع وبكل الفنون الموسيقية وبالخصوص الملحون الذي أعتبره ديوان المغاربة على الخصوص و كل المغاربيين عموما والفن الذي يميزهم عن الآخر وأعتبر هذه الخدمة هي واجب على كل أبناء جاليتنا المغاربية التي تعيش خارج أرض أوطانها لأنهم السفراء الحقيقيين لمغربنا العربي الغالي . وباختصار شديد فالعبد لله الضعيف إنسان بسيط جدا وأتمنى أن أكون عند حسن ظن محبي ومتتبعي مساري المتواضع عبر الساحة الفنية ، كذلك أتمنى أن أكون قد أعطيت جزءا مما أعطاني إياه وطني الحبيب
أما عن الدخول للميدان الفني و لعالم إسمه الملحون فمنذ صغري كنت مولعا بالغناء العيساوي والغناء الخاص بفرق أهل لثوات وبعض الأغاني العصرية الجميلة, وبعد ذلك كان مصيري أن استقطبتني جامعة الآداب المغربي (( الملحون)) الذي كان له الفضل في تكويني والذي من خلاله تعلمت كيف أحب وطني وكيف أتشبث بهويتي ومن خلال قصيدة الملحون عرفت الدور الذي قام به الأجداد من أجل الوطن الغالي ، وكذلك الثقافة المغاربية الرائعة و التي التصقت بهذا الفن من خلال قصائده المميزة وانطلقت المسيرة مند الطفولة لحد الآن رغم أن عائلتي حاولت معي جهد الإمكان أن أغير مسار حياتي ولكن الغالب الله وجازاهم عني المولى خير الجزاء .

من المعروف انك تعيش بفرنسا وتعمل هناك على التعريف بفن الملحون والتراث المغربي بشكل واسع هل ممكن أن تسرد لنا الفرق بين العمل بالمغرب والخارج ؟

الاشتغال داخل مغربنا الحبيب يتميز باشتغالك داخل الوسط العائلي ومحبين المجال الفني الذي تشتغل فيه ولقاؤك اليومي مع جمهورك في الشارع و العروض الثقافية وكل الأماكن التي تزورها، هذا الجمهور الذي أعتبره الدعم الحقيقي لمساري المتواضع جدا وأعتقد أنه الدعم القار لكل المبدعين في وطننا.
لكن في فرنسا تنقصنا العائلة والأصدقاء أما الجمهور الحبيب فنحن نتواصل معه بإبداعاتنا وما نقدمه من تسجيلات وسهرات وبعض الحفلات القليلة جدا بداخل الوطن وكذلك عن طريق إعلامنا المكتوب والمسموع ، ولكن هنا في فرنسا لا يمكن أن تشتغل بشكل احترافي بدون أن تلتحق بمجموعة من المؤسسات الفنية التي تحمي المبدع والإبداع ، فأنت عندما تتعاقد مع شركة فنية مثلا فقانون الفنان دائما بجانبك ليحميك ويحمي ما تقوم به في الميدان الفني ، كذلك لا يمكن أن يقرصن لك أحدا أعمالك الفكرية بدون حق… وبالمناسبة أتمنى أن تعمل الحكومة المغربية على حماية المورث الثقافي الفني ورد الاعتبار للمبدع المغربي . 

وهل هناك اي دعم من الوزارة الوصية خصوصا إننا نلاحظ خلقك العديد من المبادرات ؟ 

للأسف أخي كنت أتمنى في ظل هذه الحكومة التي توفرت لها مجموعة من الامتيازات وفي ظل التقدم الذي تشهده بلادنا بقيادة عاهل البلاد جلالة الملك سيدي محمد السادس نصره الله وأيده أن تعمل وزارة الثقافة على دعم هذا الفن الذي يعتبر جزءا مهما من الذاكرة المغربية والكل يعلم ما قامت به قصيدة الملحون وما قام به “الملاحنية” أيام الحركة الوطنية بجانب شرفاء البلاد ، وعودة لسؤالك فأنا لم أتلق أي دعم طوال حياتي لا من وزارة الثقافة ولا من أي جهة أخرى اللهم الدعم المعنوي من الجمهور العزيز وشرفاء وطني وهذا ما أعتز به ، فأنا أشتغل بإمكانياتي الخاصة والمتواضعة جدا جدا ، وهذا التواضع في الجانب المادي هو عائق لإخراج مجموعة من الأعمال الموجودة في خزانتي ولم تخرج للساحة وللجمهور المتعطش لكل ما هو أصيل .

سعيد المفتاحي من القلائل الذين يهتمون بفن القصيد بصدق هل تجدون مكانا لكم مع موجة التجديد التي أصبحنا نراها وهل للملحون أي مستقبل يذكر ؟ 

فن الملحون قادر على بناء كل الأجيال بما تسكن قصائده من روح تربية حقيقية وأخلاق إنسانية عالية. والحفاظ على هذا الأدب يجب أن يساهم فيه الجميع وأن لا نعمل على وضعه في خانة التحف والإكسسوارات التي تعرض في المتاحف باعتبارها ما تبقى لنا من الأمس ، بل المطلوب منا جميعا أن نعمل على استمراره كمسيرة فكرية تغني الساحة الفنية ، الأدبية والإبداعية العالمية. ولا يحق لنا أن نوقف قاطرة هذا التراث الإنساني العالمي في القرن 21.
لكي نهتم بمشاكلنا المادية وتقف فيه حركة فكرية دونت لتاريخ المغرب الذي هو جزء لا يتجزأ من التراث التاريخي الإنساني ككل.
فالحفاظ على الملحون, أمانة على عاتق كل الوزراء الذين تعاقبوا على المؤسسات الثقافية ببلادنا الحبيبة.
لقد حان الوقت للإهتمام بالإبداع المغربي الحقيقي في الوقت الذي نهتم فيه بالمسلسلات التركية والمكسيكية وأنماط غنائية دخيلة جاءتنا غازية إعلاميا وتبنتها جهات في السوق العالمية وجدت فيها ضالة الربح المادي المنشود قد تربعت على عرش السماع رغما عن الذوق السليم. 

تلقبون بمجدد الانشاذ التعبيري بفن الملحون المغربي ما السر في ذلك خصوصا أنكم من تلامذة الأستاذ التولالي رحمه الله ؟ 
ليس هناك أي سر أخي و لاحظ معي أنك عندما تجد أحدا أعطى في مجال ما فاعلم أنه يحب عمله ، وخصوصا الميدان الفني الذي يتطلب صدق أكثر وحب أكبر ، وهذا لا يعني أن سعيد المفتاحي أو الأسماء الموجودة على الساحة حفظهم الله هم فقط المتواجدين ، بالعكس هناك أصوات جميلة في الساحة الفنية ولكن إعلاميا هناك غياب 

ما هو جديدكم الفني ؟ 
كما قلت قبل قليل أن لي مجموعة من الأعمال التي لم ترى النور وذلك لعدم توفر إمكانيات الطبع والتوزيع … وهذا ليس من اختصاص الفنان بل هو دور المؤسسات الثقافية .

كسفير للفن والتراث بالداخل والخارج لاحظنا هذه الأيام موجة كره من بعض الفنانين المصريين يتدخلون فيها بشؤون المغرب ووحدته الوطنية كيف ترد على هؤلاء ؟

الفنان الحقيقي في العالم لا يحمل البغض والكره وكل رسائله التي يحملها بإبداعاته هي رسائل السلم والحب والاتحاد لأن المبدع الحقيقي رسائله تحارب كل الأشياء الممقوتة أما من يتكلم عن سمعة وطني فكما يقول المثل المغربي :”بعيـدة السما على الأرض “، ناكرين الجميل يكرمون فيه ويتكلمون عنه ؟ حسبي الله ونعم الوكيل 

كلمة اخيرة لقراء المغرب الآن :
تحية حب وتقدير لكل شرفاء مغربنا الغالي ، ومن هذا المنبر اسمحوا لي سيدي الكريم أن أغتنم هذه الفرصة و الساحة الفنية عموما والملحونية التراثية على الخصوص حزينة هذه الأيام بفقدان فنان كبير من العيار الثقيل الحاج محمد بوزوبع رحمه الله واسكنه فسيح جناته على ما قدمه لفن القول المغربي الملحون وتعيساويت…، فبفقدان هذا الهرم الفني خسرنا شيخا مجددا ومبدعا متميزا, رحمه المولى وكل شيوخ الملحون وكل أموات المسلمين ، وبهذه المناسبة الأليمة أتقدم بأحر التعازي لعائلة الفنان الكبير الحاج محمد بزوبع ولكل أصدقائه ومحبيه وعشاق فنه الراقي. 

قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


− 5 = 4